Thursday, January 19, 2017

المسألة السورية بعد حلب

نُشرت هذه الورقة التي تمّ إعدادها في 11 كانون الثاني/يناير 2017 في "مركز الجزيرة للدراسات"، وهي محاولة لقراءة الوقائع والتطوّرات الميدانية والسياسية في سوريا وفي سياق الصراع الإقليمي والدوليّ عليها.


ملخّص تنفيذي

إنتهت في أواخر العام 2016 حقبة من حقبات الصراع في سوريا وعليها. فالتدخّل العسكري الروسي الذي انطلق في 30 سبتمبر 2015 والتعبئة الإيرانية المتعاظمة للمقاتلين الشيعة اللبنانيين والعراقيين والأفغان أثمرت في ديسمبر 2016 اجتياحاً للأحياء الشرقية لمدينة حلب، بعد أن كان الحصار والقصف وغياب الإمداد على مدى سنوات قد خنق جيوب المقاومة العسكرية في أكثر من مدينة وبلدة في محيط العاصمة دمشق، وأنهى تواجد "المعارضة المسلّحة" فيها.
بذلك، أصبحت المدن السورية المتوسّطة والكبرى في جنوب البلاد (باستثناء درعا) وفي وسطها وغربها وشمالها الغربي (باستثناء إدلب) تحت سيطرة النظام وداعميه، وينحصر حضور المعارضة في مناطق ريفية أو في مدن صغرى. ويبقى الشرق السوري ومدينتاه الفراتيّتان الرقة ودير الزور تحت سيطرة "تنظيم الدولة الإسلامية" (الذي تقدّم أيضاً في البادية نحو مدينة تدمر)، في حين تستمر سيطرة الميليشيات الكردية على ثلاث مناطق شمالية وشمالية شرقية، وتتوسّع بينها وعلى حساب مدنٍ صغرى وبلدات عدّة كان يحتلّها "تنظيم الدولة" منطقةٌ جديدة تنتشر فيها المعارضة بدعم تركيّ مباشر.

سياسياً، تبرز ديناميّات مستجدّة مرتبطة بالتنسيق الروسي التركي الداعي الى مؤتمر تفاوض في آستانة في 23 يناير الجاري. ويترافق التنسيق هذا مع تراجعٍ كبير في الحضور الأميركي عشية مغادرة أوباما للبيت الأبيض، واستمرارٍ في العجز الأوروبي والعربي. وتبدو الأمور متّجهةً الى مزيج من التباحث بين موسكو وأنقرة وطهران على تصوّرات لتجميد الأوضاع العسكرية بين المعارضة والنظام وحلفائه في الشمال مؤقّتاً وعزل "جبهة فتح الشام" فيه من جهة، والتصادم الميداني بين المعارضة وحلفاء النظام في محيط العاصمة دمشق (الذي يتقدّم الدور الإيراني والحزب إلهي في محاوره على الدور الروسي) من جهة ثانية. كل ذلك في انتظار دخول دونالد ترامب الى البيت الأبيض واتّضاح بعض معالم سياسته تجاه سوريا، حيث التوفيق بين تقرّبه المحتمل من روسيا وعدائه المرجّح لإيران لن يكون سهلاً عليه وعلى الإيرانيّين بخاصة.

في خضمّ هذه التطوّرات في الميدان وما يرافقها وينجم عنها من ديناميّات سياسية، تبدو المعارضة السورية بمختلف أجسامها وهياكلها مُستضعفةً ومتروكةً لتوازن القوى المتبدّل. والأكثر دلالةً على التراجع العربي الخليجي والتركي والغربي في دعمها، ولَو على نحوٍ مُقنّن كما كان الأمر في السنوات الماضية، هو استمرار إقفال الحدود الأردنية منذ مايو 2016 بما جمّد جبهات الجنوب وأراح النظام فيها، وإقفال القسم الأكبر من الحدود التركية منذ أواسط الصيف المنصرم، بما يسّر على الروس والإيرانيّين معركة شرق حلب. وفاقمت الانقسامات بين القوى المعارِضة المقاتلة من الوهنَ الذي أصابها بعد بدء التدخّل العسكري الروسي، وساهم ذلك في الخسارات الكبيرة التي مُنيت بها في الأشهر الأخيرة.

على هذا، تبدو خيارات المعارضين في الحقبة المقبلة من الصراع محدودة، وقد يكون الأهمّ لبعضهم، لا سيّما الناشطين خارج البلاد، التركيز على قضيّتَي المساءلة القانونية لجرائم الحرب المُرتكبة والحقّ في مقاومة الاحتلالات الأجنبية، والعمل على بلورة خطاب جديد يُبقي "المسألة السورية" حاضرة في المحافل الإعلامية والحقوقية والسياسية الدولية.