Friday, January 8, 2016

تجويع مضايا

على بُعد ساعتين برّاً من بيروت، يجوع الآلاف من الأطفال والنساء والرجال السوريّين ويموت بعضهم جوعاً. 
يجوعون ويموتون، لا بسبب "أعمال حربيّة" أو "مواجهات عسكرية" على ما تورِد بعض وسائل الإعلام فتُجهِّل الفاعل أو تجعل الأطراف المتقاتلة على سويّة في المسؤولية، بل بسبب حصار إجرامي ينفّذه نظام الأسد وحزب الله ولا هدف له غير تجويع المدنيّين والمقاتلين وقتلهم ببطء بعد العجز عن اجتياح أرضهم وبيوتهم في مضايا والزبداني وبقّين واحتلالها.

على بعُد ساعتين من بيروت إذاً، ثمة جريمة حربٍ تُرتكب. هي ليست الأولى في سوريا. فقد سبقتها جرائم مماثلة نفّذها النظام الأسدي وميليشياته في بعض أحياء حمص ودير الزور وفي غوطتَي دمشق الشرقية والغربية وفي جنوب العاصمة ومخيّم اليرموك. لكنها هذه المرّة جريمةٌ يرتكبها شبّان لبنانيون لحزبهم وزراء في الحكومة في بيروت وله كتلة نيابية وازنة.

بهذا المعنى، يُحمِّل حزب الله في مشاركته في حصار مضايا التجويعي السلطات اللبنانية جزءاً من مسؤولية الجريمة المرتكَبة، ويحمّل لبنانيين كثراً موالين له وِزر الجريمة الهمجية إياها، مُسقطاً من يدهم الحجج (الساقطة أصلاً) التي برّرت تدخّله في سوريا في العام 2012. فلا "حماية الحدود" تتمّ بتجويع الأطفال السوريّين، ولا "الدفاع عن مقام زينب" يشترط قنص الأمّهات الباحثات عن حليب وطحين، ولا "التصدّي للمؤامرات" يمرّ فوق أجساد المدنيّين السوريّين والفلسطينييّن المُنهكين من منع الدواء والغذاء عنهم.


أما النغمة الجديدة المبرِّرة جريمة مضايا (والزبداني وبقّين) بِحصار نبّل والزهراء أو الفوعة وكفريا، فلا تقلّ سقوطاً. أوّلاً لأن لا شأن لحزب الله بأي بلدة أو مدينة سورية كي يرّد على حصارها بحصار بلدات أو مدنٍ سوريّة أُخرى، وثانياً لأن الردّ على جريمة إن وقعت لا يكون بجريمة أكبر منها، وثالثاً لأن لا مقارنة ممكنةً بين حصار نبّل والزهراء والفوعة وكفريا من جهة وحصار أي منطقة على يد النظام الأسدي وحلفائه من جهة ثانية. ففي الحالة الأولى لم ينقطع المأكل والمشرب والدواء (والسلاح) إذ استمرّ إيصالها يومياً الى المحاصَرين بواسطة المروحيّات، بينما لا تُلقي المروحيّات في الحالة الثانية سوى البراميل المتفجّرة والمواد السامة. ثمّ أن المقارنات في موضوع الإجرام كلّها مرفوضة، وما يفعله المدافعون عن حزب الله لا يختلف في شيءٍ عمّا فعله ويفعله مناصرو إسرائيل في العالم إذ يبرّرون على الدوام حصارها مخيّماتٍ واجتياحها بلداتٍ ومدناً في فلسطين ولبنان بمسمّيات من نوع "حماية حدودها" أو "مطاردة الارهابيّين" أو "الانتقام لمواطنيها". 

أبعد من كلّ ذلك، تَستكمِل جريمة مضايا والزبداني وبقّين الكبرى اليوم، ولَو فُكّ الحصار في القريب العاجل عنها نتيجة الضغط الدولي (المتأخّر)، تأسيس كراهيةٍ بين قسم كبير من السوريّين وقسم من اللبنانيّين تتخطّى كلّ ما عرفناه في السابق. فالتجويع لا مثيل له في الوحشية والخِسّة. وهو لا يحفر عميقاً في الأجساد فقط، بل في الذاكرة أيضاً... 
زياد ماجد