Tuesday, January 5, 2016

سنّة وشيعة... وعنف

تتفاقم مظاهر التوتّر المذهبي السنّي الشيعي شهراً بعد شهر في دول المشرق العربي والخليج، ويستعيد معظم الأطراف المنخرطين في الصراعات السياسية والحروب الدائرة أحداثاً من القرن السابع الميلادي فيُسقطونها على حاضرهم لاستنفار العصبيّات والغرائز وتبرير المواقف والتحالفات. كما يتّخّذون من مصطلحات مُتقادمة ومقولات بائدة أسلحةً لهم في سِجالاتهم وخطاباتهم التحريضية. 

وإذا كانت السياسة العدوانية والتوسّعية الإيرانية في العراق وسوريا وانخراط حزب الله والميليشيات الشيعية العراقية والأفغانية في قتال أكثريةِ السوريّين دفاعاً عن نظام الأسد يتحمّلان المسؤولية الرئيسية عن هذا التوتّر، فإن ممارسات بعض الأنظمة العربية والتنظيمات الإسلامية تُساهم بدورها في مفاقمته وفي السعي لتوظيفه بهدف التعبئة والردّ وكسب "المشروعية".

ولعلّ ما جرى في البحرين من قمعٍ لتحرّكات شعبية سلمية العام 2011 ومشاركة "درع الجزيرة" في عمليات القمع تلك بحجّة مواجهة مؤامرات إيران في "دوّار اللؤلؤة"، ثم ما جرى الأسبوع الفائت من إعدام للشيخ نمر النمر في السعودية بسبب آرائه السياسية واستمرار اعتقال ابن أخيه وعددٍ من المقرّبين إليه المهدَّدين بدورهم بالإعدام، يُظهر أن الاستظلالَ بالمذهبية يتحوّل أكثر فأكثر الى سياسةٍ لتحصين الاستبداد أو لاحتكار السلطة.

الأدهى من كلّ ذلك أن ثمة جمهوراً، يتزايد عاماً بعد عام، لم يعُد يرى في القتل والقمع أو العدوان إلّا هويّات القَتَلة والمقتولين المذهبية، فيُحدّد انحيازاته واصطفافاته على أساسها.
هكذا، يُوالي كثرةٌ من الشيعة في المنطقة اليوم النظام الأسدي لمجرّد دعم إيران وحزب الله له ولبراميله ومذابحه، ثم ينتفضون غاضبين لإعدام النظام السعودي رجلَ دين شيعي. وفي الوقت ذاته يُعادي كثرةٌ من السنّة إيران وحزب الله ويشجبون دعمهما لسفّاح دمشق، لكنهّم يبرّرون إعدام مُعارضين سعوديّين وقتل متظاهِرين بحرينيين معتمِدين في ذلك أعذاراً لا يصعب في أغلب الأحيان الوقوف على خلفيّاتها المذهبية.


وفي ما يتخطّى التموضعات السياسية المبنيّة على الانتماءات الطائفية، يطرح موضوع تبرير العنف إذ يستهدفُ الخصمَ السياسي أو المختلفَ عقيدةً – قتلاً أو اغتيالاً أو إعداماً أو إخفاءً قسرياً – مسألة خطيرة يزداد حضورها في مجتمعاتنا: التطبيع مع فكرة أن العنف واحدٌ من الآليات "المقبول" استخدامُها من قبل من يملكون سلطة، أي سلطة، ضد مُناوئيهِم. تكفي تهمة "إثارة الفتنة" أو "الفساد" أو "الكفر" أو "التآمر" أو "العمالة لجهة مُعادية" لتنقُلَ العديد من النقاشات عقب حوادث قتل البشر الى مستويات بائسة يُلام فيها المقتولون أو يُخوّنون أو يُجعل من مصرعهم حادثاً عادياً في سياق الصراع السياسي أو حتى أمراً طبيعياً طالما أنهم اختاروا النشاط العام.

وهذا يُحيلنا من جديد الى اعتبارٍ شاع العام 2011، بعد سقوط بن علي ومبارك واندلاع ثورات ليبيا والبحرين واليمن وسوريا، مفادهُ أن أحد أهم معايير نجاح الثورات أو الإصلاحات في العالم العربي سيكون في مدى قُدرتها على تجريم القمع السياسي بمختلف أشكاله وتجريم المدافعين عنه أو المبرّرين له إذ يطال خُصومهم... يبدو أننا في مطلع العام 2016 ما زلنا بعيدين عن ذلك.
زياد ماجد