Thursday, September 24, 2015

صراعٌ طبقي؟

يبذل بعضُ أصحاب المصالح والأموال والاحتكارات الاقتصادية، ومثلهم بعضُ الشيوعيين واليساريين في الضفة المقابلة، جهداً بائساً لتصوير الحراك المدني الجاري في لبنان على أنه "مجرّد صراعٍ طبقي".
الأسطر التالية تزعم أن القضايا الإشكالية الرئيسية المطروحة، ومنها تلك التي يرفع الحراكُ شعاراتٍ بشأنها، لا تقوم على أسس الصراع الطبقي. وهذا لا يعني، على ما يدّعي بعض الليبراليين، أن لا صراع طبقياً البتّة في لبنان. فالصراع المذكور قائم وحاضرٌ في خلفيات الكثير من القضايا الأُخرى، ولَو على نحوٍ مُضمَرٍ أحياناً.

لكن بالعودة الى القضايا الرئيسية التي تواجه اللبنانيّين اليوم، والى قضايا الحراك المستمرّ في الشارع، لا ديناميّات صراع طبقي يمكن الوقوع عليها مثلاً في ما خصّ وصول الفلسفة التوافقية التي رعت النظام اللبناني الى حالةٍ من العجز الكامل يُترجمه تعذّر انتخاب رئيس للجمهورية، وتعذّر اتفاق "النوّاب" على قانون انتخابات نيابية، وتحوّل السلطة التنفيذية الى مؤسّسة تصريف أعمالٍ دائم. كما لا صراع طبقياً في القسمة الطائفية ونظيرتها المذهبية، وليست جماهير معسكرٍ أكثر فقراً أو ثراءً من جماهير معسكرٍ آخر، ولا هي تتموضع أو تتصرّف أصلاً وفق مصالحها أو وعيها الطبقي. نفس الأمر في ما يخصّ الموقف من سلاح حزب الله وسياسات لبنان الخارجية والعلاقة بالنظام الأسدي

وإن ذهبنا الى شعارات الحراك الأولى، الخاصة بأزمة النفايات، فلا صراع طبقياً يبعثها أو يظلّلها. كما لا شأن للانتماء الطبقي بالموقف من رقاعة القوى السياسية الحاكمة وأدائها الهزيل. ولا شأن لهذا الانتماء بالطبع بأزمة الكهرباء وأسبابها والمسؤولين المتعاقبين عليها، إلا بمقدار حجم المعاناة من الانقطاع الكهربائي عند انتفاء القدرة على شراء مولّد أو الاشتراك فيه. ولا شأن أيضاً للموقف من العلمنة أو الزواج المدني في لبنان بالانتماء أو الانحياز الطبقيّين.


على أنّنا إن ذهبنا الى قضايا كثيرة أُخرى، لها علاقة بالسياسات المالية والضريبية المعتمدة، وبالتشريعات الخاصة بنقل الملكية وببعض الاستملاكات لصالح شركات خاصة، ولها علاقة بالاحتكارات في سوق الدواء وفي العديد من القطاعات الحيوية، ولها علاقة كذلك بسياسات المصارف التجارية، وبسياسات الأجور، وبالموقف من الحق في الطبابة والتعليم وضمان الشيخوخة والعمل النقابي، نجد أننا أمام فرز يتحوّل فيه العامل الطبقي الى عامل أساسي، ويتحالف وِفقه معظم المسؤولين السياسيّين مع الطرف الأقوى في المعادلة الاقتصادية ضمن مبدأ تبادل الخدمات والمنافع، مراهنين على الانقسامات العديدة لدى المُنضوين في الطرف الأضعف لإبقائهم خارج القدرة على التأثير




لهذا، يُفيد الكفّ راهناً عن تحميل الحراك المدني المواطني في منطلقاته ودوافعه ما لا يحتمل. وإذا كانت أطرافٌ تسعى من خلال بعض المجموعات للاستفادة ممّا يجري لتعود الى ساحة سياسية همّشتها (وليس لها مزايا مختلفة أصلاً عن مزايا "الطبقة السياسية" التي تُعارض)، فإن أطرافاً أُخرى تُحاول من خلال تصريحاتها المُستفِزّة واستخدامها عبارات من نوع "أبو رخّوصة" كدلالة على التحقير افتعال قضايا تُبقي لها على مكتسباتٍ تخشى مسّها إن تعاظمت مطالبة مواطنين بحقوقهم المهدورة. 

وبالمناسبة، يُفيد تذكير هذه الأطراف بأن على وسط المدينة أن يتّسع للجميع، وأنه كان كذلك قبل الحرب. ويُفيد التذكير أيضاً أن أسواق "أبو رخّوصة" تُقام دورياً في شوارع المدن الأوروبية الكبرى، تلك التي يتشبّه بها بعض أصحاب المصالح والاحتكارات اللبنانيين، ولا شيءَ يُفترَض أن يحولَ دون تنظيمٍ جديدٍ لوسط بيروت وللأنشطة الثقافية والترفيهية والاستهلاكية فيه، بما لا يُبقيه حِكراً طوال الوقت على فئات محدودة من الزوّار المحليّين والسيّاح الأجانب.
زياد ماجد