Tuesday, June 9, 2015

على هامش الانتخابات التركية

لا تدّعي هذه الافتتاحية أيّ تحليلٍ للشأن الانتخابي وديناميّاته السياسية في تركيا. هي تسجيلٌ لثلاث ملاحظات على هامش التجربة الديمقراطية التركية وانتخاباتها، وما قد تعنيه بعضُ جوانبها في خضمّ السجالات الراهنة عربياً وإسلامياً حول أشكال الحكم والتمثيل السياسي والسلطة.
 
الملاحظة الأولى أن التجربة الديمقراطية في تركيا تبدو - استحقاقاً بعد آخر - أكثر رسوخاً في مؤسّسات الدولة والمجتمع. فدوريّة الانتخابات وكثافة المشاركة فيها وحصول الحزب الأول في البلاد (العدالة والتنمية) على ما دون نصف أصوات الناخبين تُؤكّد حيويّة التنافسية وحِدَّتها. كما أن حرّية التعبير والتظاهر وتأسيس الجمعيات والاستقلالية النسبية للقضاء، معطوفةً على تراجع الدور السياسي للمؤسّسة العسكرية منذ العام 2002 (وهي التي نفّذت الانقلابات أعوام 1960 و1971 و1980 و1997) مؤشّرات على نضج التجربة، رغم الانتهاكات التي طالت في السنوات الأخيرة صحافيّين ومتظاهرين وحاولت تقييد حقوق النساء.

الملاحظة الثانية ربطاً بالأولى، أن النزعة التسلّطية في سلوك الرئيس أردوغان وتصريحاته وطلبه تعديل الدستور لجعل النظام يتّخذ طابعاً رئاسياً أكثر منه برلماني، حفّز قسماً من المواطنين على الاقتراع ضد الحزب الحاكم خوفاً على الحياة الديمقراطية ورفضاً لأي استئثار بالسلطة يُخلّ بالتوازنات ويطبع السلطة بالطابع الشخصي. وهذا في ذاته سلوكٌ يُبرز الحرص على الدفاع عن القيم الديمقراطية والجمهورية، وسيفرض على الأرجح على أردوغان والحزب الحاكم (وسائر الأحزاب) تعديلاتٍ في مقاربات الشأن العام.

الملاحظة الثالثة، أن دخول القومية الثانية في البلاد (الكردية) الى البرلمان بصفتها تلك (من خلال قائمة حزب الشعوب الديمقراطي)، بعد أن كان إشهارها على مدى عقود محظوراً وتمثيلها السياسي كقومية معدوماً، يُظهر التطوّر الذي طرأ في الثقافة السياسية التركية، وفي أساليب عمل الأحزاب والتيارات السياسية المعارضة. ويُظهر أيضاً أن الحياة العامة أصبحت أكثر تسامحاً مع التعدّدية الثقافية والسياسية.


ماذا يعني الأمر عربياً وإسلامياً اليوم؟
أمران أساسيان.
أوّلهما، أن الديمقراطية ما زالت الأفق والنظام الأمثل للحكم والأضمن لسلامة المجتمع، وأنها ممكنةٌ في بلدان ذات أكثرية مسلمة وفي ظلّ تبوّءِ حزب ذي مرجعية فكرية إسلامية السلطة. وأنّها، أي الديمقراطية، كلّما تكرّست ثقافةً وممارسةً كلّما حصّنت الدولة في مواجهة الميول التسلّطية التي يمكن أن تبرز بين الحين والآخر.
والثاني، أن العلمنة شرط اقترانها بالديمقراطية تقي المجتمع من مخاطر الاستظلال بالله وبالدين لتبرير السياسات المُفضية حكماً مطلقاً، وتحترم في الوقت عينه حرّية المعتقد والحقّ في ممارسته. 

وتركيا بهذا المعنى تجربة غنيّة متعرّجة مرّت وتمرّ في الكثير من المراحل والأطوار، وما زال من الممكن للعديد من دول المنطقة العربية الاستفادة من دروسها، لا سيّما اليوم، حيث إذا ما استثنينا تونس، تتعرّض مجمل المسارات السياسية الوطنية التي بشّرت بتحوّلات العام 2011 للانتكاس، أو حتى للانهيار...
زياد ماجد