Sunday, March 15, 2015

مُقتطف من الفصل الثاني من كتابي "سوريا الثورة اليتيمة": عن البدايات

شهدت سوريا، في شهر شباط (فبراير) وفي النصف الأوّل من شهر آذار (مارس)، أكثر من تحرّكٍ لناشطين وكتّاب وحقوقيّين، وجدوا في الثورات العربية في تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين ما يعزّز بعض الآمال عندهم. فأضاؤوا الشموع في لقاءَي تضامن في دمشق مع الشعبين المصري والليبي، واستكملوا محاولاتٍ سابقة للاعتصام أمام وزارة الداخلية ضد الاعتقالات السياسية وتجمّعوا مطالبين بالإفراج عن سجناء الرأي.
وشهدت دمشق لأوّل مرّة منذ سنوات تظاهرتَين. واحدة كانت رداً (عفوياً) من تجّار شارع الحريقة وجيرانهم على اعتداء عناصر أمنٍ على إبن أحدهم. وفيها ظهر لأوّل مرّة شعار "الشعب السوري ما بينذلّ"[1]. والثانية مقابل المسجد الأموي في 15 آذار (مارس) كانت مُعدّة ونادت بالحرّية، واعتبرها كثرٌ شرارة الثورة الأولى.

وردّت السلطات على الحراك هذا باعتقال العديد من الناشطين وبالاعتداء ضرباً على آخرين وتهديدهم.

"من حوران هلّت البشاير"[2]

قبل تظاهرة المسجد الأموي في العاصمة السورية بأسبوعين، كتب تلامذة مدرسة في مدينة درعا في حوران جنوب سوريا شعارات معادية للنظام على أحد الجدران. فأمر المحافظ فيصل كلثوم ورئيس الأمن السياسي في المنطقة عاطف نجيب (إبن خالة الرئيس بشار الأسد) باعتقالهم وتعذيبهم، ولم يُفرج عنهم رغم أكثر من مراجعة قام بها ذووهم. وتطوّرت الأمور بعد ذلك حين أهان نجيب وفداً من وجهاء درعا وآباء الأطفال[3] أتى لمفاوضته، فتأجّجت في المدينة مشاعر الغضب والتقى العشرات من أعيانها في المسجد العمري. وفي 18 آذار (مارس) تجمّع الآلاف أمام المسجد، وتعالت الهتافات السياسية الرابطة القمع الوحشي للأطفال المعتقلين[4] بالقمع العام في البلاد وبتردّي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية[5]، وسارت تظاهرات فتحت الشرطة وعناصر المخابرات النار عليها مباشرة، فقتلت ثلاثة شبّان، صاروا طليعة شهداء "الثورة السورية"[6]. وبين 19 و24 من الشهر نفسه، عمّت التظاهرات منطقة حوران "فزعةً" لدرعا، واستهدفت الشعارات السياسية رامي مخلوف وماهر الأسد والمسؤولين المحلّيين المتّهمين بالفساد. وجرى حرق صور ضخمة لبشار وتحطيم تمثال لأبيه وتكسير مركز حزب البعث ومكاتب شركة "سيرياتل" للاتصالات (التي تعود ملكيّتها لمخلوف). وسقط خلال التظاهرات عشرات الشهداء بنيران "قوى الأمن" فكان كلّ تشييع يتحوّل إلى تظاهرة أوسع من التي سبقتها[7].

وابتداءً من 25 آذار (مارس)، امتدّت تظاهرات التضامن مع درعا إلى العديد من المناطق السورية[8]. وتوسّعت رقعتها تدريجياً لتصل في 22 نيسان (أبريل) إلى ذروتها، مع خروج عشرات المسيرات في أرجاء سوريا في يوم أطلق الناشطون عليه إسم "يوم الجمعة العظيمة" لموافقته "جمعة الآلام" المسيحية. وتُظهر لوائح الشهداء المتظاهرين الذين سقطوا في تلك الفترة أن خريطة التظاهر كما عمليّات قمعها العنيفة تركّزت بشكل أساسي في محافظات درعا وريف دمشق وحمص ودير الزور وفي بعض أحياء مدينة اللاذقية. كما تُظهر الشعارات التي رُفعت مناداتها بالحرّية واستهدافها المباشر رأس النظام ومطالبتها بإسقاطه، ما دلّ على أولوية المسألة السياسية، على الرغم من الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية المتردّية لأكثرية المتظاهرين[9].

وشهد يوما 18 و22 نيسان (أبريل) تطوّرين بارزَين في مسار الثورة السورية. في اليوم الأول، تجمّع عشرات الألوف من المواطنين في مدينة حمص في ساحة الساعة من أجل تنظيم اعتصام مفتوح (يُشبه الاعتصامات الضخمة التي جرت في ميدان التحرير القاهري). لكن عناصر الأمن والمخابرات والشبّيحة هاجموا التجمّع مساءً وقتلوا بالرصاص أكثر من مئة مواطن في مجزرة مروّعة، ثم احتلّوا الساحة بعد تفريق المعتصمين[10].
وفي اليوم الثاني (22 نيسان/أبريل)، انطلقت حشود من ريف دمشق (من سقبا ودوما وحمورية وكفربطنا وزملكا وعربين وحرستا وجسرين وغيرها) وعبرت جوبر بهدف الوصول إلى ساحة العباسيين في العاصمة للاعتصام فيها. وبوصولها إلى محلّة الزبلطاني، فتحت قوات الأمن والجيش نيران الرشاشات عليها، فقُتل وأصيب في دقائق عشرات المواطنين واعتُقل عشرات آخرون، واضطرّ الألوف للانكفاء والتشتّت. وفشلت بالتالي ثاني محاولة لاتّخاذ ساحة مدينيّة كبرى موقعاً لاعتصام سلمي مفتوح، وتيقّن كثرٌ من الناشطين أن النظام ماضٍ في تصعيد عمليات القتل مستفيداً من ضعف التغطية الإعلامية لما يجري في سوريا ومن ضعف الردود العربية والدولية على مجازره.

بالتزامن مع ذلك، شنّ جيش النظام حملة عسكرية على درعا واحتلّها بالدبّابات لإخماد التظاهرات نهائياً فيها بعد عجز أجهزة الشرطة والمخابرات عن وقفَها، وفرض عليها حصاراً خانقاً.

وبين أواخر نيسان (أبريل) وأواخر تمّوز (يوليو) 2011 كانت معظم مناطق سوريا قد شهدت تظاهرات ومسيراتِ تشييع لشهداء. وبدأ الإعلام العربي والعالمي ينقل صوراً وأفلاماً يرفعها على الإنترنت المواطنون المتحوّلون إلى صحافيّين. وعرفت تلك الفترة مسيرات وتجمّعات هي الأكبر في الثورة السورية. ففي مدينة حماة، وفي أكثر من يوم جمعة، احتشد في ساحة العاصي قرابة 300 ألف متظاهر، أتوا من أحياء المدينة ومن قرى ريفها كما من مناطق أُخرى. وفي دير الزور، فاقَ عدد المتظاهرين 200 ألف، وسارت في مدن حمص وإدلب والقامشلي وعامودا كما داريا (جنوب دمشق) ودوما (شمال شرقِها) تظاهرات كبرى، وتحرّكت في جامعة حلب وفي أحياء مدينة بانياس واللاذقية ومخيّم الرمل للّاجئين الفلسطينيين فيها وفي جبلة وسلميّة وعشرات المدن والبلدات مسيرات تخطّى عددها المئة في اليوم الواحد (وصل إلى حدود 300 في "جمعة أسرى الحرّية" في 15 تموز/يوليو)[11] في حين تخطّى تعداد المشاركين فيها يوم 22 من الشهر نفسه (في "جمعة أحفاد خالد") عتبة المليون شخص[12].

وحصلت تطوّرات ميدانية ذات دلالات سياسية ورمزية هامة في الأشهر الثلاثة المذكورة.

ففي شهر أيّار، شنّ الجيش السوري عمليات اجتياح واعتقال وقصف ضد بلدات في محافظتي حمص وإدلب، حيث كانت قوات الأمن والشرطة قد فقدت السيطرة على الوضع نتيجة حجم الحراك الشعبي والاعتصامات[13]. وهذا عنى تصعيداً إضافياً من قِبل النظام في عمليّات القمع بهدف سحق الثورة.

وفي الشهر نفسه، وُلدت "أيقونة" الثورة السوريّة الأولى حمزة الخطيب: طفلٌ (ذو 13 عاماً) شارك والدَه والجموعَ السير في تظاهرة من بلدته الجيزة نحو مدينة درعا (في 29 نيسان/أبريل) ناقلين الأغذية للمحاصرين فيها، فاعتُقل على الطريق قرب مساكن الضباط في صيدا، وعُذّب من قبل أجهزة الأمن حتى الموت ثم نُكّل بجثمانه الذي سُلّم لذويه بعد أسابيع.

وفي شهر حزيران (يونيو) تأسّس جسمان تنظيميّان للحراك الثوري: "اتحاد تنسيقيات الثورة" (الذي ستنبثق منه في 18 آب/أغسطس 2011 "الهيئة العامة للثورة السورية") و"لجان التنسيق المحليّة" التي أصدرت في 11 حزيران/يونيو بياناً كان الأوّل من نوعه من طرفٍ مدني مشاركٍ في تنظيم التظاهرات وتوثيق الأحداث، لِتضمّنه رؤية سياسية لمستقبل سوريا وللانتقال الديمقراطي فيها[14]. كما تأسّست في 25 من الشهر نفسه "هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي" وضمّت أحزاباً وشخصيات يسارية وقومية معارِضة وأحزاباً كردية طرحت برنامجاً للإصلاح والتغيير في سوريا.

وشهد الشهر أيضاً حصول حالات انشقاق علنيّ عن الجيش السوري[15]، بدأها الملازم عبد الرزّاق طلاس، وأخذت دفعاً مع المقدّم حسين هرموش[16] الذي رفض وزملاؤه قتل المتظاهرين فانشقّوا وشكّلوا "لواء الضباط الأحرار"[17]. ووقع في يوم 7 حزيران (يونيو) أوّل اشتباك واسع بين منشقّين ووحدات من الجيش كانت متوجّهة لاجتياح جسر الشغور (في الريف الإدلبي)، وتسبّبت هجمات النظام العسكرية على المنطقة نفسها بوصول أوائل اللاجئين السوريّين إلى تركيا (وكان سبقهم وصول بعض اللاجئين من تلكلخ في ريف حمص إلى لبنان).

وفي هذا الشهر الحاسم أيضاً وأيضاً، بدأ الوضع الفلسطيني السوري يتفاعل سياسياً على وقع التطوّرات (بعد اقتصار المرحلة السابقة على تضامن إنساني من مخيّمي درعا وحمص مع جواريهما، وقد دفعا ثمنه غالياً إذ استهدفهما النظام بحملات شرسة أدّت إلى تهجير أكثر سكّانهما)، وشهد مخيم اليرموك جنوب دمشق (الأكبر بين مخيّمات الشتات الفلسطيني) شعارات مناهضة للفصائل الفلسطينية المتحالفة مع نظام الأسد[18].

هكذا تصلّبت في سوريا خلال الفترة المذكورة إرادتان: إرادة متظاهرين وناشطين سياسيين لم يثنِهم القتل عن السير في مواجهة النظام وفي تخطّي المحرّمات السابقة تسميةً (بلا مواربة) واستهدافاً لفظيّاً لرموزه[19]، وإرادة قيادة هذا النظام التي قرّرت طحن عظام المتظاهرين حفاظاً على السلطة المطلقة ومنعاً لاكتمال انهيار جدار الخوف. وبانت كذلك استحالة التجمّع في الشوارع والساحات الرئيسية في المدن الكبرى، والاضطرار على الدوام إلى التظاهرات الطيّارة فيها أو إلى التجمّع في أحيائها الهامشية (الجانبية) الضيّقة (حيث التركيبة السكّانية مختلفة، وبمجملها من الطبقات الفقيرة أو الوسطى الدُنيا)، ما سيوهن مع الوقت قدرة التعبئة أو التواصل المديني ــ لا سيّما في دمشق ــ ويكرّس صورةً جانبٌ منها دقيق وآخر مبالغ فيه (بمعنى أنه لم يكن محسوماً بالكامل منذ البداية ولا غير خاضع للتبدّل) عن ريفية الثورة السورية[20].


رمضان 2011 ونقطة التحوّل العنفي

في اليوم الأخير من شهر تمّوز (يوليو)[21] وطيلة أشهر آب (أغسطس) وأيلول (سبتمبر) وتشرين الأول (أكتوبر) وتشرين الثاني (نوفمبر) صعّد النظام السوري عنفه ضد التظاهرات في محاولة جديدة للقضاء عليها. ترافق ذلك مع حلول شهر رمضان في أول آب (أغسطس)، وانتقال تنظيم التظاهرات من القاعدة الأسبوعية (يوم الجمعة ثم ما يليه من تشييع شهداء يسقطون خلاله) إلى القاعدة اليومية بحيث يخرج المتظاهرون كل ليلة بعد الإفطار أو صلاة التراويح. وأدّى الأمر إلى تزايد هائل في عدد التظاهرات، وخروج المئات منها في عشرات المدن والبلدات.

وفي الأسبوع الأول من آب (أغسطس) اجتاحت دبابات النظام مدينتي حماة[22] ودير الزور وتمركزت في الساحات التي شهدت أوسع التجمّعات الشعبية والمسيرات. كما ضاعف جيش النظام من عمليات الاقتحام واعتقال الألوف من المواطنين في ريفَي دمشق وإدلب وفي حمص.
وعمد بعد السيطرة على حالات التظاهر في جبلة وتطويقها في بانياس إظهار قسوة مطلقة ضد الأحياء (العشوائية) في مدينة اللاذقية وضد مخيّم الرمل الفلسطيني جنوب المدينة حيث كانت تخرج تظاهرات يومية، فقصفها في منتصف شهر آب (أغسطس) بالدبابات والبوارج الحربية.

ولجأ النظام في هذه الفترة أيضاً إلى استهداف الناشطين المؤثّرين في محيطهم الاجتماعي وفي التظاهرات والحاملين خطاباً سياسياً وطنياً، ولاعنفيّاً[23]. فجرى قتل المهندس والناشط السياسي معن العودات خلال تظاهرة في درعا في 8 آب (أغسطس)، ثم جرى اعتقال معن ويحيى الشربجي وغياث مطر قرب مدينتهم داريا في 6 أيلول (سبتمبر). وما زال الأخوان الشربجي معتقلَين (علماً أن يحيى معتقل سياسي سابق ومن أبرز دعاة الكفاح اللاعنفي في سوريا)، في حين أُعيد غياث مطر جثة هامدة إلى أهله بعد أن قضى تحت التعذيب. وفي 7 تشرين الأول (أكتوبر)، اغتيل الناشط السياسي الكردي مشعل تمو (رئيس حزب المستقبل) في مدينة القامشلي. وتمو كان بدوره معتقلاً سابقاً وصاحب تأثير في الوسط الكردي المنخرط في التظاهرات ضد النظام. وفي أوّل تشرين الثاني (نوفمبر) 2011، اعتقلت المخابرات الناشط الطلابي (والمعتقل السابق) محمد عرب في مدينة حلب.
وجرى كذلك اعتقال العديد من الأطباء والمتطوّعين في أعمال الإغاثة الطبية الذين أقاموا عيادات ميدانية سرية لمعالجة جرحى التظاهرات بعد تحوّل المستشفيات الحكومية إلى أماكن اعتقال وتعذيب لا يسلم منها المصابون بجراح خطيرة. وتوالت الشهادات من المعتقلين المحرّرين حول التعذيب الوحشي وحالات الوفاة في المعتقلات.

في المقابل، ظهرت في الفترة نفسها مظاهر عسكرة متنامية. ذلك أن الانشقاقات تزايدت ولَو أنها ظلّت فردية (أو محدودة)، ومعها حالات الهروب من الخدمة العسكرية. وشكّل مئات من المنشقيّن مجموعات عسكرية أعلنت عن نفسها باسم "الجيش السوري الحرّ" (بقيادة العقيد المنشق رياض الأسعد) انضمّ إليها مدنيّون تطوّعوا لحماية التجمّعات الشعبية واشتبكوا أحياناً مع الأمن والشبّيحة. وظهرت مجموعات مسلّحة في مناطق ريفية كما في أحياء مدينيّة شعبية (خاصة في حمص) عددٌ منها ارتبط بعمليّات حماية للمتظاهرين، وعدد آخر بتهريب وخطف وطلب فدية أو مقايضة بمخطوفين ومعتقلين.

وقد انقسم الناشطون بداية تجاه مسألة العسكرة، إذ خشي بعضهم من إفقادها الثورة جانباً من تفوّقها الأخلاقي ومن تحوّلها إلى قتال يأخذ بعداً طائفياً. وخشوا أيضاً من استفادة النظام منها لمضاعفة عنفه، كما توجّسوا ممّا ستخلقه من زعامات مقاتلين وارتباطات بالمموّلين المحتملين. لكن آخرين، كما الأكثرية بين المتظاهرين والمشاركين في الثورة، لم يجدوا بدّاً من السير في خيار الكفاح المسلّح ضد النظام. فمن دون سلاح يحمي التظاهرات، لم يعد بحسبهم من الممكن حصولها بعد احتلال النظام للساحات بالدبابات وتضييق الخناق على مداخل المساجد ومحاصرة البلدات والأحياء الأكثر نشاطاً، وقتل واعتقال الآلاف. وقالوا إن نظام الأسد ليس كنظامي مبارك وبن علي ولا يمكن أن يرحل سلمياً، بل هو كنظامَي القذافي وصدام حسين ينبغي اقتلاعه بالقوة.
واستمرّ النقاش لفترة قبل أن يتخطّاه الوضع الميداني.

سياسياً، كان لتشكيل "المجلس الوطني السوري" في 2 تشرين الأول (أكتوبر) وانخراط قسم من قوى الحراك المدني وممثّلي التنسيقيات فيه إلى جانب قسم كبير من القوى السياسية المعارضة، من الأخوان المسلمين والإسلاميين المستقلين إلى حزب الشعب الديمقراطي (الشيوعي – المكتب السياسي سابقاً) وعدد من أطراف "إعلان دمشق" وصولاً إلى ممثّلين عشائريّين وقوى كردية، بالإضافة إلى فاعلين سياسيّين مقيمين في الخارج، ومن ثم انتخاب الأكاديمي والكاتب المعروف برهان غليون رئيساً له، كان لهذا التشكيل، وقع إعلامي وسياسي إيجابي على قطاعات واسعة من الرأي العام السوري. لكن تعذّر ضمّ جميع القوى المعارضة إليه، ومنها "هيئة التنسيق الوطنية"، أبقى مشهد المعارضة منقسماً، ولم يسمح بخلق جبهة متماسكة في مواجهة جبهة النظام.

وقد عرفت هذه المرحلة أوّل فشل لمجلس الأمن في تبنّي موقف حادّ من النظام السوري نتيجة العرقلة الروسية والصينية (التي ستتكرّر وتعطّل مجلس الأمن لاحقاً)، فاستُعيض عن الأمر ببيان رئاسي تبعته مبادرة من "الجامعة العربية" لإرسال مراقبين ووقف النار وسحب دبابات النظام من الشوارع وإطلاق سراح المعتقلين. لكن المبادرة فشلت وسوريا عُلّقت عضويتها في الجامعة واتُّهم نظامها بارتكاب جرائم ضد "مواطنيه".

حمص عاصمة للثورة

تحوّلت مدينة حمص في أشهر كانون الأول (ديسمبر) 2011 وكانون الثاني (يناير) وشباط (فبراير) وآذار (مارس) 2012 إلى موقع الحراك الثوري الأكبر في سوريا. فالمدينة الثالثة في البلاد ضجّت أحياؤها بالتظاهرات النهارية والليلية التي وُلد فيها رمز أيقوني سوري جديد هو عبد الباسط الساروت (حارس مرمى نادي الكرامة الحمصي). وقاد الأخير المسيرات والتجمّعات وغنّى فيها، وكان لحضوره أثر تعبوي هام نظراً لشعبيّته ولبساطة كلامه وجمال صوته ووضوحه في تلخيص الثورة بوصفها رفضاً للبقاء "عبيداً عند آل الأسد"[24]. لكن مشهد التظاهر الحمصي لم يكن يختصر لوحده مشهد حمص. ففي نفس الوقت، ظهرت "خطوط تماس" مذهبي، إذ بانت الأحياء العلوية (ويقطن فيها ثلث سكّان المدينة تقريباً) مواليةً للنظام، وصارت الاحتكاكات والاشتباكات المصاحبة لمحاولات شبيحة مهاجمة المتظاهرين تتكرّر ومعها الاحتقان الطائفي. كما تجمّع داخل حيّ بابا عمرو في المدينة مئات الشبّان المنتمين للجيش الحر وشكّلوا فيها قاعدة ثورية، وأقيم فيها كذلك مركز إعلامي ومشفى ميداني[25]، وصار العشرات من الصحافيين الأجانب يصلون بابا عمرو من خلال طرقات تهريب عبر الحدود الِبقاعية اللبنانية ليغطّوا تجربة "عاصمة الثورة".

وفي شهري شباط وآذار 2012، وفي نفس الوقت الذي كان كوفي أنان يقبل تولّي مهمة المبعوث المشترك بين الأمم المتحدة والجامعة العربية للبحث في حل "للأزمة السورية"، ارتكب النظام مجازر في حمص استهدفت ناشطين سلميّين وعائلاتهم ومدنيين بينهم أطفال في أحياء الخالدية والبياضة وكرم الزيتون. وترافق ذلك مع قصف عنيف استمرّ لأسابيع[26] وانتهى باقتحام جيش النظام حي بابا عمرو وتدميره.

وحصلت في تلك الفترة أيضاً حملات اعتقال كانت الأكبر، استهدفت حقوقيّين معروفين وناشطين سلميّين في عمليات بدا واضحاً معها أن النظام يريد القضاء على التقارير الإعلامية والقانونية التي توثّق انتهاكاته. فجرى اقتحام "المركز السوري للإعلام وحرية التعبير" في دمشق واعتقال مديره مازن درويش وجميع زملائه وضيوفهم[27].

وتصاعدت في الأسابيع التي تلت المجازر في حمص حالات الاشتباك المسلّحة بين الجيش ومسلّحي الثورة. كما تصاعد الحقد بين المعارضين والموالين، ووُلدت في بعض أحياء حمص العلوية ظاهرة اسمها "سوق السنّة"، أي سوق تُباع فيها محتويات بيوت الأسر السنيّة التي نهبها الجيش وشبّيحته. وكان للتسمية كما للمبدأ ذاته وقع شديد المرارة في سوريا، أجّج مشاعر الغضب الطائفي في أوساط كانت حتى آذار (مارس) 2012، أي بعد عام على انطلاق الثورة، بعيدة عن التعصّب، أو على الأقل تُحاول ذلك في خطابها العام[28]. وتلى موقعة حمص تنظيم تظاهرات كبرى في أنحاء عديدة في سوريا بان فيها الميل المطالب بمواجهة النظام وبطلب التسليح والتدخّل الدولي لوقف المقتلة متقدّماً لدى الناشطين: ففي جمعة "تسليح الجيش الحر" سارت 675 تظاهرة في البلاد، وفي جمعة سُمّيت "التدخل العسكري الفوري" في 16 آذار، سارت 691 تظاهرة.

وبين 25 أيار (مايو) و12 تموز (يوليو) حصلت في سوريا مجازر مروّعة ذَبح فيها عسكريون من جيش النظام وشبّيحة مئات المدنيّين بعد أن هاجموا بلداتهم ومزارعهم في أرياف حمص وحماة واللاذقية (الحولة والقبير والحفّة والتريمسة). وبدا في الأمر مخطّطاً تهجيرياً، أو تطهيراً مذهبياً وتخويفاً لأبناء بلدات في منطقة مختلطة، على مقربة من "حدود" محافظتي طرطوس واللاذقية.

وجرى ذلك في فترة كانت التظاهرات في سوريا قد وصلت خلالها إلى معدّل 800 تظاهرة كل يوم جمعة (في شهر أيار/مايو)، وبلغت العدد القياسي لها في الثورة في 1 حزيران (يونيو) في جمعة "أطفال الحولة" (بعد أسبوع من حدوث المجزرة) إذ سارت 939 تظاهرة.

في الوقت نفسه، اتّسع نطاق العسكرة ومعها أعداد المقاتلين في الثورة، وصارت مناطق بأكملها خارج سيطرة النظام، لا سيّما في المناطق الطرفية (شرقاً وشمالاً). فجيش النظام اضطر لانتشار منكمش يركّز على المناطق الاستراتيجية عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، والاشتباكات وقطع الطرقات والقنص والهجمات على الحواجز المتناثرة صارت تكلّفه خسائر يومية، فصار في المقابل يكثّف استخدام المدفعية والقصف. أما الوضع السياسي الدولي فبدا مجمّداً رغم محاولة جرت في جنيف في 30 حزيران (يونيو) عبر مجموعة اتّصال دولية عربية تولّى كوفي أنان البحث عن قواسم مشتركة بين أعضائها تطرح خطة انتقالية لسوريا وتتضمّن وقف النار وإطلاق الموقوفين وتشكيل حكومة وحدة وطنية كاملة الصلاحيات تحضّر لانتخابات. لكن الخلافات حول دور بشار الأسد فيها وموقف كل طرف من مسألة بقائه (وترشّحه عام 2014 لولاية جديدة) وعدم استعداد الدول المعنية أصلاً للضغط من أجل الوصول إلى حلّ جدّي أطاحت بالخطة، ودفعت كوفي أنان بعد شهر من الإعلان عنها إلى الاستقالة. فجرى استبداله بالديبلوماسي الجزائري الأخضر الابراهيمي.
زياد ماجد




[1] حضر يومها وزير الداخلية لتهدئة خواطر المتظاهرين. وحين سمع هتافاتهم توجّه إليهم بما يُشبه التهديد قائلاً: "عيب يا شباب، عيب! هاي إسمها مظاهرة" (تذكيراً بأن المظاهرات ممنوعة وهي خرق لقانون الطوارئ)!
[2] ردّد المتظاهرون هذا الشعار طيلة الأشهر الأولى للثورة نظراً لما لعبته انتفاضة مدينة درعا وصمودها وتضامن قرى وبلدات حوران معها من دور حاسم في جعل الانتفاضة "المحلّية" تأخذ بُعدها الوطني.
[3]  طالبهم بنسيان أطفالهم و"صنع غيرِهم" أو جلب زوجاتهم ليصنع لهم رجاله "أطفالاً مؤدّبين".
[4]  أُفرج عن الأطفال تباعاً ابتداءً من 20 آذار (مارس)، ومعظمهم من عائلة أبازيد، وظهرت عليهم آثار تعذيب شديد ضاعفت من نقمة أهاليهم على السلطات.
[5]  في ما يخصّ درعا، أدّى تراجع الزراعة في السنوات الأخيرة نتيجة الجفاف وتقليص الموازنات الحكومية المخصّصة لدعمها، وتراجع الأنشطة التجارية وسيطرة قلّة من المتنفّذين على القطاعات الربحية، وتراجع القدرة الشرائية لموظّفي الدولة عامةً نتيجة الغلاء (وكثرة منهم يتحدّرون من حوران التي كانت تاريخياً من معاقل حزب البعث)، الى تدهور كبير في الأوضاع المعيشية.
[6]  أوائل شهداء الثورة هم حسام عياش ومحمود جوابرة (درعا) وأيهم الحريري (الحراك)، وتلاهم بعد يومين رائد كراد ورأفت كراد والطفل مؤمن المسالمة (درعا). أما أول شهيدة، فسقطت في 23 آذار (مارس)، وهي الطفلة ابتسام المسالمة (درعا).
[7]  أطلق الفنّان سميح شقير أغنية بعنوان "يا حيف" انتصاراً لانتفاضة درعا واستنكاراً لفتح النيران على المواطنين العزّل. وتحوّلت الأغنية سريعاً الى واحدة من أبرز الأعمال الفنّية المواكبة للثورة والمتضامنة مع بداياتها الحورانية.
[8]  شهدت دوما (في غوطة دمشق الشرقية) في 3 نيسان (أبريل) الحشد الأكبر خلال الفترة تلك، إذ شارك عشرات الألوف من أبنائها ومن ناشطين وفدوا إليها من أكثر من منطقة سورية في تشييع شهداء سقطوا برصاص "القوى الأمنية" في 1 نيسان (أبريل).
[9]  عبّر هتاف "يا بثينة ويا شعبان الشعب السوري مو جوعان" خير تعبير عن البعد السياسي، وجاء رداً على وعود مستشارة الأسد رفع المعاشات وتقديم بعض المعونات للأكثر احتياجاً في البلاد.
[10] روى شهود أن بُرك الدم تُركت عن عمد حتى الصباح (لإثارة الرعب) حين أُزيلت بالمياه بعد أن سبق وسُحبت الجثامين بشاحنات ولم يُسلّم قسم كبير منها الى ذويها حتى اليوم.  
[11] نُظّمت التظاهرات من قبل مجموعات شبابية متنوّعة، بعضها سبق وخاض تجارب طلّابية سرّية معارضة، وبعضها التقى أعضاؤه مع بدء التظاهرات، وبعضها الآخر قريب من أحزاب (تاريخية) يسارية وناصريّة لها حضور في درعا وريف دمشق وحمص ــ ولَو أن حضورها ضعيف على الصعيد الوطني. وتشكّلت مجموعات أُخرى نتيجة صلات تجمع أفرادها بسبب تلاقيهم الدوري داخل المساجد للصلاة، ومعظم هؤلاء إسلاميّو الهوى ولو أنه لم يجمعهم تيار واحد. أما من انضمّ الى نواة هذه التظاهرات، فأكثريّة من الشبّان المستقلّين الذين لا علاقات تنظيمية أو خلفيّات إيديولوجية لهم. وقد اتُّفق على اعتماد أيام الجمعة أياماً للتحرّك، نظراً لكونها أيام عطل، ونظراً للقدرة على التجمّع في الجوامع والخروج منها عقب الصلوات (ولنا عودة لاحقة الى هذه المسألة). واتّخذ كل يوم تظاهرٍ إسماً أطلقه ناشطون بهدف توحيد الشعارات. وقد عكست اقتراحات التسميات خلفيّات مطلقيها السياسية والايديولوجية (وأدّت في الكثير من الحالات الى خلافات وسجالات بين الناشطين). ولعبت صفحة "الثورة السورية 2011 ضد بشّار الأسد" على الفايسبوك (وهي كبرى الصفحات السورية لجهة عدد المسجَّلين) الدور الرئيسي في انتقاء التسميات وتعميمها، وبدا أن خلفيّة القائمين عليها إسلامية.
[12]  بهذا المعنى، تُعدّ نسبة المشاركة في التظاهرات في سوريا، في تلك الفترة، بالمقارنة مع عدد السكّان الإجمالي، أعلى من نسب المشاركة في تظاهرات الثورات المصرية والتونسية والليبية، على الرغم من الفارق الهائل في ما يخصّ سلامة المتظاهرين في سوريا وضراوة عنف القوى الأمنية تجاههم.
[13]  سيتبيّن لاحقاً من خارطة العنف المنظّم والمجازر والتهجير، أن هذه المنطقة كانت منذ البداية محطّ ريبة النظام لتاريخها (إذ كان الأخوان المسلمون نشيطين فيها بدايةَ الثمانينات) ولموقعها بين الساحل السوري – حيث لأركان النظام القاعدة الشعبية والطائفية الأساسية – وباقي المناطق، لاسيما تلك المُفضية الى منطقة دمشق. لذلك، أُرسل الجيش منذ البداية لقمع الحراك فيها.
[14]  سبق تشكيل الاتحاد واللجان قيام تنسيقيات في البلدات وبعض أحياء المدن عملت على تنظيم تظاهرات والاتفاق بواسطة الرسائل الالكترونية و"السكايب" على الاجتماعات وأماكن اللقاء ومواعيدها. وقد قرّرت الاندماج لتفعيل عملها لكن خلافات في وجهات النظر حول بعض القضايا التنظيمية والسياسية جعلت معظمها يندمج ضمن جسمين مختلفين. وتعرّض ناشطون من الجسمين لعمليّات اعتقال وتعذيب أو قتل من قبل أجهزة مخابرات النظام. كما اضطر أكثر الناشطين الى التخفّي وتبديل أماكن سكنهم دورياً للنجاة من الاعتقال.
[15]  سبقت ذلك انشقاقات محدودة في درعا (أدّت الى تبادل إطلاق نار بين المنشقّين وجنود النظام) وفي حرستا في شهر نيسان (أبريل). وذكرت تقارير طبّية وحقوقية في نفس الفترة وفاة جنود نتيجة إطلاق النار عليهم في الرأس من الخلف، بما يعني إعدامهم ميدانياً من قبل الضباط لتمنّعهم عن قتل متظاهرين.
[16]  غادر المقدّم هرموش سوريا لاحقاً الى الأراضي التركية. لكن نظام الأسد تمكّن (بتواطؤ مرجّح مع طرفٍ داخل تركيا) من اختطافه بعد استدراجه الى نقطة قرب الحدود في 29 آب (أغسطس) 2011 وعرَضه تلفزيونياً في 15 أيلول (سبتمبر) وعلى وجهه آثار تعذيب، ليختفي تماماً بعد ذلك.
[17]  تبع انشقاق هرموش حملة عنيفة من جيش النظام على بلدته إبلين (في محافظة إدلب) وجرى التنكيل بعائلته في عملية انتقامية من ناحية وتحذيريّة من ناحية ثانية لتخويف كل ضابط يفكّر بالانشقاق من عواقب ذلك.
[18]  في هذه الفترة المليئة بالأحداث، انتفض الآلاف من أهالي مخيّم اليرموك في 6 حزيران (يونيو) خلال تشييع عشرة شبّان سقطوا قبل يوم في الجولان بنيران القوات الاسرائيلية بعد أن حاولوا العبور (وعبَر بالفعل بعضهم) الى داخل الأراضي المحتلة. وتعالت خلال التشييع هتافات ضد الفصائل الفلسطينية المتحالفة مع نظام الأسد، واتّهم مشيّعون الفصائل المذكورة بإرسال الشبّان الفلسطينيين إلى الموت بالتنسيق مع النظام لتحوير الانتباه عن الأوضاع الداخلية السورية. فتوتّر الوضع، وفتح عناصر من الجبهة الشعبية – القيادة العامة (بزعامة أحمد جبريل) النار على المُشيّعين وقتلواً عدداً منهم وأُصابوا عدداً آخر، وازداد منذ ذلك الحين الفرز السياسي داخل المخيّم تجاه الشأن السوري، ولَو أن الوضع الأمني فيه بقي حتى منتصف العام 2012 أكثر هدوءاً من أوضاع محيطه، ما سمح لآلاف السوريين والفلسطينيين المهجّرين من مناطق أخرى باللجوء إليه.
[19]  حطّم أحد المطربين الشعبيّين في مدينة حماة، القاشوش، المحرَّم هذا عبر أغنية سمّى فيها آل الأسد وأقاربهم في السلطة، وسخر منهم وطالبهم بالرحيل. وتردّدت الأغنية القاشوشية في كل سوريا (وخارجها)، وتحوّل القاشوش الى رمز يعبّر عن نهاية مرحلة في البلاد. ثم اختفى الرجل وزُعِم أنه قُتل وانتُزعت حنجرته، ما زاد من رمزيّته.
[20]  لِقراءة في الموضوع تُفيد مراجعة مقال عمر قدّور "عن لامدينيّة الثورة السورية" (كلمن، عدد 6، ربيع 2012).
[21]  قتل النظام في هذا اليوم وحده 120 مواطناً، وسمّى الناشطون ما جرى بـ"مجزرة هلال رمضان".
[22]  ارتبك النظام في تعامله مع حماة في الشهرين السابقين على حملته الضارية هذه. فحماة "حالة خاصة" نظراً لتاريخ الدم المهول فيها. لكن تحوّلها الى مركز لأكبر حشد بشري في الثورة جعلها هدفاً من جديد لأبشع الممارسات. لِقراءة حول ارتباك النظام وخصوصية حماة، تمكن مراجعة مقال صبحي حديدي "حماة: مجزرة ثانية أم نهوض عنقاء من الرماد؟" (القدس العربي في 10 تموز/ يوليو 2011).
[23]  سبق ونفّذت مخابرات النظام حملات مشابهة في منطقة الساحل خلال أشهر أيار/مايو وحزيران/يونيو وتموز/يوليو اعتقلت فيها الناشط الشاب أنس الشغري واتّهمته بتشكيل "إمارة إسلامية"، واعتقلت كذلك في دمشق طلاباً وفنّانين بهدف الترهيب أو فرض الاستكانة من جديد.
[24]  في فيلم "وعر – نشيد البقاء"، 2011، تلاحق الكاميرا الساروت في التظاهرات، ويتحدّث إليها عن الثورة وأسبابها. والفيلم كان من أولى الشهادات المصوّرة عن حمص في مرحلتها تلك.
[25]  أدّى المشفى الميداني الذي عمل فيه الطبيب محمد المحمد دوراً هائلاً وبإمكانيات محدودة في إنقاذ جرحى تعذّر نقلهم الى مستشفيات حكومية أو خاصة خوفاً من القتل أو الاغتيال. وقد جسّد عمل هذا المشفى وطاقمه واحداً من أهمّ أبعاد الثورة وما فيها من تضامن إنساني في مواجهة النظام وبطشه. وقد دُمّر المشفى (كما المركز الإعلامي) بقصف الجيش له عند اقتحام الحي الحمصي الشعبي.
[26]  قُتل في القصف عشرات المواطنين السوريين وصحافيّان أجنبيّان (الأميركية ماري كولفين والفرنسي ريمي أوشليك). وقُتل أيضاً مواطنون ــ صحافيون سوريون، في مقدّمهم رامي السيد، واعتُقل في ما بعد زميله في المركز علي عثمان. وسبق ذلك مقتل جيل جاكيه (في ظروف لم تتضّح كامل ملابساتها). وقد كتبت صديقة جاكيه كارولين بوارون وزميلاه سيد أحمد هموش وباتريك فاليان، اللذان رافقاه، كتاباً عن الموضوع صدر بالفرنسية في منتصف العام 2013 بعنوانAttentat Express. وذكر الكتاب أن مقتل جاكيه حصل بعد إصرار الراهبة (الفاعلة في دعاية الأسد) أنييس دو لا كروا عليه أن يذهب إلى المنطقة حيث لاقى حتفه.
[27]  أُفرج عن معظم معتقلي المركز على دفعات، في حين ما زال مازن درويش كما حسين غرير وهاني زيتاني معتقلين، واستشهد زميلهم الطبيب أيهم غزول نتيجة التعذيب. وفي وقت لاحق من العام، اعتُقل حقوقي آخر عمل طويلاً في الدفاع عن سجناء الرأي، هو المحامي خليل معتوق، وما زال حتى اليوم مسجوناً. 
[28] لِقراءة حول المسألة الطائفية في سوريا وحول تطوّر بعض القضايا المتعلّقة بها عقب أحداث حمص المذكورة أعلاه، يفيد الإطّلاع على مقالَي ياسين الحاج صالح "في الطائفية والنظام الطائفي في سورية" و"الطائفية ما بعد مجزرة كرم الزيتون" (المنشوريَن تباعاً في 11 شباط/فبراير و18 آذار/مارس 2012 في جريدة الحياة)، وعلى مقال صبحي حديدي "السوق الطائفية بعد المجزرة: ماذا تبقى من تماسك قيادة النظام؟" (المنشور في القدس العربي في 21 حزيران/يونيو 2012).