Thursday, November 13, 2014

سحر بيروت

لا تخلو مدينة في العالم من تناقضات ومن حيويّات ومن روح يلمسها بعض الزوّار أو يبثّها ويتمسّك بها بعض المقيمين.
لكن بيروت تبقى حالة خاصة، نادرة.
فالعاصمة اللبنانية ذات الكثافة السكانية المتزايدة نتيجة الهجرات الداخلية والنزوح السوري الكبير، باتت محلّ تكثيف مدهش للكثير من الديناميّات والتناقضات والاختلافات.

ففيها يتجاور الجمال والقباحة عمرانياً، وفيها تصل الفوارق الطبقية والاجتماعية الى حدّ رهيب يمكن الوقوف عليه في شارع واحد أو عبر تنقّل من حيّ الى آخر في مدّة كان يمكن ألا تتجاوز الدقائق لولا زحمة السير الخانقة. وفيها يحسّ المقيم كما الزائر بضغط المدينة وإيقاعها الثقيل وبكونه تفصيلاً صغيراً فيها، في نفس الوقت الذي يستطيع – وهو التفصيل – أن يتنبّه لتفاصيل أُخرى ومظاهر كثيرة تحاول الاستكبار عليها وانتهاكها أو على الأقل تنغيص عيشها.

وفي بيروت، يمدّد مجلس نيابي رديء لنفسه بوقاحة تشبه وقاحة الانحطاط السياسي السائد، وتجترّ وسائل إعلام برامج يتفوّق ثقل الدم والسفاهة فيها على نفسه، ويتابع الناس أخبار اشتباكات في طرابلس أو عرسال، ويسمعون بمراسم تشييع العشرات من الشبّان الذين دفع بهم حزب الله الى سوريا للقتال دفاعاً عن نظام البراميل والمجازر والغازات الكيماوية، ثم يواصلون سيرهم ومعيشهم اللائق أو الباذخ أو البائس.


وفي بيروت أيضاً، يُسابق التضامن الإنساني والتسامح العنصريةَ والكراهية والتعصّب، ويصعب على مُتابع أن يتجنّب فائض الحيوية الاجتماعية والثقافية التي تحيط به، حيث لبنانيون ونازحون سوريون وفلسطينيون أو مقيمون أجانب يتنافسون إنتاجاً وكتابةً وأنشطة فنية، وحيث يحصل في أسبوع أن تسمع بمعرض كتاب يستقطب جمهوراً الى ندواته وتوقيعاته، وبمحاضرات ومؤتمرات في مواضيع متنوّعة، وبماراتون يركض فيه عشرات الآلاف، وبجمعيات تعمل في مخيّمات فقر فتُنشئ مشاغل ومدارس، وبافتتاح مطاعم وبارات ومقاهٍ (وموت سواها)، وبعروض مسرحية وسينمائية وحفلات موسيقية ومعارض رسم، تحسب أن المنخرطين فيها جميعها يعيشون في كوكب آخر، صغير جميل لا قتل فيه، ولَو أن معظم سكّانه يهجسون بالقتل الملموس القائم أو باحتمالاته المقبلة عليهم...

وفي بيروت أخيراً تحزن لمآلات بلد ومنطقة يضرب فيهما العنف أيّما ضرب، ثم تتفاءل إذ ترى قدرة هائلة على الاستمرار وعلى الحياة بحرّية ليس أحلى من التجوّل ليلاً لمشاهدة أثرها مسلكاً واختلاطاً وضحكاً أو سماعها نقاشات لا تنتهي، لا رقابة على الكلمات أو الأفكار فيها ولا خشية من بوحها، بغثّها وسمينها.

سلاماً بيروت.
زياد ماجد