Sunday, September 7, 2014

لقاء سيّدة الجبل

في وقت يتصاعد فيه الحديث عن مخاوف المسيحيّين في الشرق نتيجة تنامي نفوذ تنظيم "داعش" في سوريا والعراق، وفي وقت تتزايد الدعوات في بعض العواصم الأوروبية، كما في العاصمة الأميركية، الى توفير الحماية "للأقلّيات" المشرقية وصولاً الى تسهيل وصول بعض جماعاتها الى دولها، وعشية التئام مؤتمر في واشنطن "للدفاع عن المسيحيّين" يُشارك فيه أشخاصٌ لم تُسمع لمعظمهم خلال السنوات الثلاث الأخيرة كلمة واحدة حول قتل وجرح واعتقال وتعذيب وتشريد 10 ملايين سوري على يد نظام يدّعي مثلهم "الدفاع عن الأقلّيات"، انعقد في بيروت الاجتماع العاشر "للقاء سيدّة الجبل".

والاجتماع، بغضّ النظر عن أيّ كلام يمكن أن يُساق حوله أو حول اعتباره التجربة اللبنانية نموذجاً صالحاً للتصدير، جاء ليردّ بمقولات واضحة على جميع دعوات التمييز بين المواطنين والمواطنات في هذه المنطقة، وليقول إن مصير المسيحيين فيها مرتبط بمصير غيرهم من أبنائها وبناتها، وإن لا خلاص لهم من دون خلاص المنطقة بأكملها من دائها الأخطر (والجالب لما تلاه من مصائب): أنظمة الاستبداد التي حكمتها على مدى عقود، وفي مقدّمها نظام القتل الأسديّ.

وحسناً فعل المجتمعون بالتذكير ببربريّة إسرائيل بوصفها مكمّل ثالوث البربريّات (مع الأسد و"داعش")، وبالتشديد على أن التصدّي للإرهاب لا يكون بالتحالف مع واحدة من البربريّات ضدّ أيّ من مثيلتيها. وحسناً فعلوا أيضاً باعتبارهم أفق الحلّ الوحيد كامناً في بناء مشروع ديمقراطي تنويري يحفظ للأفراد والجماعات (أقلّيات وأكثريات) حقوقهم بعيداً عن الخوف والذمّية والعنصرية.


ولعلّ ما خلص إليه سمير فرنجية من تذكير بأخطاء (أو ربما بسياسات أملتها مصالح وحسابات وتقديرات متهافتة) اقترفتها عواصم القرار الغربي تجاه المنطقة العربية لجهة التمنّع عن الضغط لحلّ الصراع العربي الإسرائيلي (بما يكفل حقوق الشعب الفلسطيني في دولة قابلة للحياة)، ولجهة التحالف الطويل مع أنظمة الاستبداد، كما لجهة تفكيك الدولة في العراق، ثم ترك المجازر والجرائم ضد الإنسانية تستمرّ في سوريا منذ العام 2011، لعلّ هذا التذكير، يصلح مادة لنقاش معمّق حول ما تريده اليوم شريحة واسعة من مواطني هذه المنطقة من باقي "العالم"، وحول سُبل تطوير قدرتها على التأثير في الرأي العام ولدى صنّاع القرار في البلدان ذات الثقل السياسي دولياً. 

إجتماع "لقاء سيدة الجبل" حمل إذاً خطاباً يرفض التقوقع ضمن حدودٍ يُراد فرضها وفق اعتبارات "أقلّوية" تنسلخ عن محيطها وتبحث عن "حمايات" خارجية (استنسابية) أو عن تحالفات داخلية مع أنظمة إبادة جماعية. وهو بهذا المعنى، وفي اللحظة التي نعيش، إجتماعٌ تأسيسيّ ينبغي أن تلاقيه اجتماعات أُخرى لأفراد ومجموعات من خلفيات ومشارب مختلفة ترفض ازدواجيّة المعايير وتحدّد بدقّة موقفها من المقتلة السورية ومن البربرية الداعشية ومن سائر الشؤون والشجون.
زياد ماجد