Friday, September 26, 2014

السيّد هاني فحص

ثمّة في حياة هاني فحص المكثّفة عناصر سيرة شيعية جنوبية لبنانية امتدّت عقوداً، قبل أن تتضافر ضدّها مجموعة عوامل داخلية وإقليمية فتغيّرَ من مسالكها المتعرّجة وتخطَّ لها مسلكاً واحداً جديداً.
فهاني فحص، ككثرةٍ من أبناء الجنوب وبناته، التحق بالكفاح الفلسطيني في أواخر الستينات وأطلّ منه على الواقع اللبناني، فقارع المدافعين عن النظام السياسي القائم وعن نُخَبه في توارثها للمواقع والمنافع وفي سدّها المنافذ أمام الإصلاحات والتغييرات واحتمالات التحوّل السياسي المرافق للتحوّلات الاجتماعية في البلاد. وككثرة من أبناء الجنوب أيضاً، مال فحص وقتها الى اليسار، ووفّق بين شيعيّته وما كان للاجتهاد وللقلق والعصامية من سماتٍ لجوانب فيها، وبين علمانية أراد ذاك اليسار إلباسها للدولة والمجتمع.

Thursday, September 18, 2014

أقلّيات وبربريّات

تتصدّر ثلاث بربريّات مشهد العنف والصراعات في المشرق منذ سنوات.

 

معرض الجثث السوري

حجبت وسائل التواصل الاجتماعي مؤخّراً صوَر وأفلام "داعش" الخاصة بإعدام الصحافي الأميركي جيمس فولي. وحسناً فعلت في حجبها هذا، احتراماً لِفولي ولعائلته وأصدقائه من ناحية، ومنعاً لـ"داعش" من استخدام مشاهد القتل البربري الذي مارسته تسويقاً لعنفها وجذباً للاهتمام الإعلامي وبثّاً للرّعب والذهول من أعمالها (وهو ما تبحث عنه منذ صعودها لِبناء هالتها) من ناحية ثانية.
ما يعنينا في هذه العُجالة من شأن الحجب مرتبط ٌبمسألتين. الأولى، التعامل مع مشهديّة القتل ومع صورة الجثة الآدمية المذبوحة. والثانية، مقدار التعاطف مع صاحب الجثة وذويه واعتبارهم في ذاتهم قضيةً إنسانية تستأهل الدعم والعدالة. فإذا اعتبرنا صواباً حمايةَ الجثّة من العرض ومن استباحة العيون، وإذا أخذنا باستئهال الضحية العدالةَ، أمكنَنا أن نُسقط الأمرين (نظريّاً على الأقل) على حالة عامة تتكوّن من عشرات آلاف الحالات الخاصة المتماثلة مصيراً، في نفس المكان والزمان حيث وقعت جريمة ذبح جيمس فولي.

عنصريّة البُلهاء

قد لا يكون جميع العنصريّين بُلَهاء. لكن العنصريّة نفسَها في ما يذهب إليه معتنقوها من كراهية للآخرين ومن ادّعاء تفوّق جماعاتي عليهم هي البلاهة بعينها. 
وهي، فوق ذلك، مدعاة توزيع مهامٍ بَلهاء وساقطة على أتباعها. فسياسيّوها يصرّحون بوحيٍ منها وبادّعاءات ومصطلحات حقد وازدراء معمّمة تفرضها. والرعاع ينتشرون كعصابات في الشوارع ويعتدون عشوائياً على من يندرج ضمن استهدافاتها. والكتّاب من أهلها يحاولون تبريرها واعتبار مؤدّياتها الميدانية ردود أفعال غاضبة على ما أقدم عليه ضحاياها ومن يشبههم في اعتداءات سابقة.

Sunday, September 7, 2014

لقاء سيّدة الجبل

في وقت يتصاعد فيه الحديث عن مخاوف المسيحيّين في الشرق نتيجة تنامي نفوذ تنظيم "داعش" في سوريا والعراق، وفي وقت تتزايد الدعوات في بعض العواصم الأوروبية، كما في العاصمة الأميركية، الى توفير الحماية "للأقلّيات" المشرقية وصولاً الى تسهيل وصول بعض جماعاتها الى دولها، وعشية التئام مؤتمر في واشنطن "للدفاع عن المسيحيّين" يُشارك فيه أشخاصٌ لم تُسمع لمعظمهم خلال السنوات الثلاث الأخيرة كلمة واحدة حول قتل وجرح واعتقال وتعذيب وتشريد 10 ملايين سوري على يد نظام يدّعي مثلهم "الدفاع عن الأقلّيات"، انعقد في بيروت الاجتماع العاشر "للقاء سيدّة الجبل".

الداعشية وتبسيطيّات التعاطي بشأنها

ليس أسوأ من تقليل البعض من خطر "داعش" ومن انحطاط ممارساتها وإجرامها الظلامي سوى قول البعض الآخر إن "الداعشية موجودة في كل واحد منّا" أو إنها نتاج "طبيعي لثقافة مجتمعاتنا". ذلك أن إخراج "داعش" من السياق الذي وُلدت فيه، في الزمان والمكان وأحوالهما، أو جعلها كائناً محتملة ولادتُه في أي لحظة وفي أي موضِع على امتداد ما يُسمّى "مجتمعاتنا" (هكذا ومن دون تردّد أو تمييز أو اعتبار أن ثمة اختلافات بين "مجتمعاتنا" تلك وداخل كل واحد منها قد يفوق الانسجام والتماثل فيها وفي ما بينها)، أو النظر الى "داعش" كمُنتج حتمي "لأنّنا هكذا" (ومرّة جديدة على اعتبار الـ"نحن" جماعة يتشابه أفرادها من إندونيسيا للمغرب ولا يتغيّرون على مدى العصور)، إنما هي سذاجة سياسية وثقافية إضافة الى كونها تهافتاً علمياً.