Thursday, June 5, 2014

سمير قصير وانتخابات الدم

يوم واحد يفصل بين الذكرى التاسعة لاغتيال المؤرّخ والصحافي والناشط السياسي سمير قصير في بيروت وبين الانتخابات المهزلة التي ينظّمها قاتله في دمشق. يوم واحد بين ذكرى أليمة لم تعد الحياة لعائلة قصير وأصحابه ورفاقه هي نفسها من بعدها، وبين تجديد القاتل لولايته وسط بحر من الدماء النازفة منذ أكثر من ثلاث سنوات.

واليوم الواحد هذا بين ذكرى إعدام مثقف لبناني فلسطيني سوري وانتخاب قاتله لنفسه في ذروة الثورة عليه ليس مجرّد مفارقة زمنية. هو تذكير بأن العدالة لم تتحقّق بعد، إذ ما زال القتلة طليقين ومستبدّين ومستشرسين في دفاعهم عن أبدهم وعن سلطتهم ومغانمها. لكنّه تذكير أيضاً بأن هؤلاء القتلة محكومين، رغم القتل، بالهزيمة ولو بعد حين. فتفجيراتهم ورصاصاتهم التي كانت تستهدف أفراداً لتحول دون تعاظم تأثيرهم في "عامة الناس" لم تتمكّن رغم القتل من الاستمرار في محاصرة الناس هؤلاء. ومقالات كالتي كتبها سمير صارت بعد قتله أكثر انتشاراً وتحريضاً. والناس الذين أُريدَ لهم البقاء في العزلة والخوف يخرجون منذ العام 2011 متظاهرين ومعتصمين ومحاربين.

وثمة أمر آخر يبدو أيضاً رابطاً بين ذكرى القتل و"حدث" تجديد القاتل البيعة لنفسه: هويّة المقتول المركّبة. فـ"المثلّث اللبناني الفلسطيني السوري" وجميع من انتسبوا إليه من منظور تحرّري وديمقراطي ومن منطلق إستقلالي حدوديّ يعدّ التكامل ثقافياً وسياسياً وليس كيانياً أو تسّلطيّاً من ضلع على الضلعين الآخرين، مثّلوا الخطر الأكبر بالنسبة للنظام السوري وصاروا مكمن كراهيته العمياء. وليس من شأن في سوريا أكثر وضوحاً اليوم من استهداف النظام الأسدي للسوريين وللفلسطينيين معاً بالقتل والتجويع والتعذيب والتهجير. كما ليس من أمر أكثر سفوراً في الأمس القريب من كراهيته للبنانيين والفلسطينيين وسعيه قبل انكفائه عن لبنان وبعده الى زعزعة أمنهم ونشر العبوات الناسفة عندهم ثم استعانته بالمرتزقة والمذهبيّين منهم للقتال الى جانبه اليوم في دمشق والغوطة وحوران والقلمون وحمص وحلب.


خلاصة الأمر أن سمير قصير أُعدم في بيروت في 2 حزيران العام 2005 في سياق معركة استقلالية، وأن مئة وخمسين ألف سوري ومعهم أكثر من ألفي فلسطيني أُعدموا في سوريا بين 18 آذار 2011 و2 حزيران 2014 في سياق ثورة تحرّرية. والقاتل الواحد يترشّح اليوم في 3 حزيران لوراثة نفسه بعد أن ورث أبيه. "يترشّح" ليترأّس من جديد فيؤجّل العدالة ويواصل القتل.


وفي هذه المناسبة المفجعة، ومع يوم انتخابات الدم، يُفيد التأكيد مرّة جديدة أن لا عزاء لأهل القتلى جميعهم قبل إسقاط القاتل وسوقه للعدالة، وأن لا خلاص ونجاة للأحياء قبل التحطيم النهائي لآلة القتل التي تلتهم البشر، سوريين وفلسطينيين ولبنانيين، منذ عقود...
زياد ماجد