Wednesday, March 26, 2014

الجزائر ومصر وبلية العسكر

بعد أكثر من نصف قرن من استقلال الجزائر، وبعد أربعين عاماً من الطفرة النفطية وعائداتها ومن ادّعاءات التحرّر والتقدّم وتحقيق العدالة الاجتماعية، يتوجّه رئيس البلاد وزعيم نظام الحزب الواحد فيها كلّ ما أصابه داء الى مستشفيات فرنسا، الدولة المستعمرة السابقة، للطبابة والنقاهة. وكذا يفعل غيره من وجهاء البلاد ومن قادة المؤسسة الأوسع نفوذاً فيها: الجيش.
والأمر نفسه يسري على كل طالب علم محظوظ بتأشيرة خروج نحو "الغرب" يحصل عليها بشقّ النفس، وكل طالب استثمار أو رجل أعمال جمع أموالاً مشروعةً أو غير مشروعةٍ يرى في المصارف أو العقارات الأوروبية "ضمانة" له، دون أن ننسى طالبي العمل والهجرة ممّن لا يتردّدون بركوب البحر على قوارب ما من ضمانات لوصولها سالمة الى الضفّة الشمالية.

ورغم الواقع المحزن هذا، ورغم الهدر الهائل للطاقات الاقتصادية والبشرية التي تزخر بها الجزائر، ورغم التجارب الدموية الضارية وكمّ التحدّيات التي يجري تجاهلها أو شراء الوقت عوض مواجهتها، ثمّة من لا يستحي من اعتبار أوضاع بلاده نموذجيةً ويرى فيها استقراراً ونجاحاً يرغب في التمديد لهما ويحذّر من المؤامرات الكولونيالية ضدّهما إن تحرّك متظاهرون يستنكرون ترشّح عبد العزيز بوتفليقة لولاية رابعة. وبوتفليقة هذا، الذي ينطق ويتحرّك بالكاد بعد أن أعياه المرض قبل سنوات، يمثّل واجهة يحكم من خلفها منذ العام 1999 تحالف مصالح يضمّ مراكز قوى في الجيش وأجهزة الأمن وجبهة التحرير الوطني والشركة النفطية الغازية الوطنية (صوناتراك) والاتحاد العام للشغل. وإعادة ترشحّه أو ترشيحه رغم عجزه عن ترؤّس اجتماع أو حضور مهرجان انتخابي تبدو اليوم ردّاً من المؤسسة العسكرية الجزائرية وحلفائها على مقولة أن الثورات العربية أنهت نظم "الى الأبد"، مبقية بالتالي رئيساً معتلّاً في منصبه بعد خمسة عشر عاماً من تولّيه "الأمانة"، وتبدو أيضاً تأجيلاً لصراع محتمل على وراثته بين ضباط من الجيش وآخرين من المخابرات العسكرية، وبينهما رهط من ساسة جبهة التحرير، مِن مناطحي "المكائد التي تستهدف الوطن ودوره"، وهو الدور الذي يعجز مراقب للسياسة الإقليمية والدولية وعلاقاتها على إيجاد ذكر للجزائر في صناعة ديناميّاته.


وليس بعيداً من الجزائر، تستمرّ أحوال مصر في التدهور السياسي والاقتصادس والأمني. ويستمرّ نجم الجنرال عبد الفتّاح السيسي بالصعود بنفس سرعة انحدار الأوضاع العامة، ويعِد "أسد مصر" على ما يُسمّيه مريدوه بتلبية "مطالب الشعب" بالترشّح للرئاسة قريباً لإنقاذه ولتخليصه من رواسب الثورة التي أطاحت حكمَ مبارك ولم تستطع الإطاحة بحكم "العسكر"، مديري المسرح خلف مبارك وخلف غيره منذ سبعين عاماً. وإذ يجد السيسي فريسة ينكّل بها ويحمّلها أوزار التدهور متمثّلة في "الأخوان المسلمين"، ينسى المُصفّقون له أن التنكيلَ إجرامٌ يولّد العنف، وأن الكلام عن الحاجة الى "العسكر" للبطش بـ"الظلاميين" كذبة كبيرة، إذ في استبداد الأوّلين وصفة لكل أنواع الظلاميّات، دينيةً كانت أو غير دينيّة.

... في الجزائر ومصر إذاً أوضاع بائسة. وإن كانت خصائص الحالتين تختلف في الكثير من النواحي، فإن القواسم المشتركة التي يمكن البحث فيها، تدور بمعظمها حول العسكر وإدارتهم للسياسة ولبعض قطاعات الاقتصاد والإعلام منذ عقود.

زياد ماجد