Wednesday, January 29, 2014

لاهاي 2

يمكن النظر الى انعقاد المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الحريري بوصفه الحدث الأبرز لبنانياً منذ سنوات بعيدة. ففي هذا الانعقاد نهاية للحصانة التي لطالما "حمت" المجرمين، إذ لم يتبع أي اغتيال سياسي سابق مسار قضائي أفضى الى إدانة المذنبين. وفي الانعقاد إظهار للرصانة القانونية المرافقة لاتّهام أفراد بتنفيذ الاغتيال. وفيه كذلك تأكيد على أن الجرائم جميعها، التي تلت جريمة 14 شباط 2005 ووُظّف بعضها للتهويل وطلب المقايضة بين العدالة والاستقرار، لم تُفلح في وقف التحقيق ولا في منع المحاكمة. 

"لاهاي" هي إذاً إنجاز كبير، وهي نهاية لحقبة كاد الاغتيال يتحوّل فيها الى سلوك مألوف في المشهد السياسي العام، تستمرّ الحياة من بعده "عاديّة". وليست اللامبالاة أو التباهي بالجرائم أو نفيها وشتم المحكمة عند بعض الأطراف اليوم إلا محاولات مكابرة بائسة لن تعدّل من مسار الأمور ولا من خواتيمها.

على أن "قيمة مضافة" يمكن إضفاؤها على تأثير "لاهاي" وتبعاتها عربياً اليوم، في ظلّ ما يجري في سوريا من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. فإذ تختص واحدة من محاكم المدينة الهولندية بحالة لبنانية، لا شيء سيحول في المستقبل القريب دون اختصاص غيرها بالحالات السورية الكثيرة التي نشهد وقوعها منذ أكثر من ألف يوم. ولعلّ التقرير الذي أعدّه قُضاة وخبراء دوليّون ونشرته صحيفة "الغارديان" البارحة وفيه عشرات آلاف الصور من المُعتقلات حيث يمارس نظام الأسد أبشع أنواع التعذيب والإعدام، وما سبقه من تقارير موثّقة أعدّها ناشطون حقوقيون سوريّون (رزان زيتونة ورفاقها في طليعتهم) أو صاغتها منظّمات دولية ("هيومن رايتس ووتش" و"منظمة العفو")، تشير جميعها الى حتميّة انعقاد هكذا محاكم في المقبل من الأيام مهما أجّل سياسيّون ومسؤولون في العالم الأمر وحاولوا راهناً التحايل عليه.


ومستقبل الوضع السوري بهذا المعنى وثيق الصلة بفلسفة العدالة، ولا يمكن للسياسة وحدها تأسيسه. فما يبدو ملحّاً لإنهاء الكابوس الذي يعيشه ملايين السوريّين ليس انعقاد "جنيف 2" فحسب، بل أيضاً وخاصةً التحضير لمحكمة دولية تطارد المجرمين المعلومين، أصحاب السجون وأقبية التنكيل بالمواطنين. عندئذٍ سنكون في حضرة "لاهاي 2". وعندئذٍ أيضاً، سنكون أمام صفحة جديدة في سوريا تستكمل مثيلتها في لبنان...

زياد ماجد