Thursday, October 10, 2013

عن فائق المير

لا تستقيم كتابة تاريخ "سوريا الأسد" دون كتابة سيَر أفراد كانت حياتهم سجلاً لكثرة من أحداثها. فسيَرهم تشكّل المادة الأغنى والأصدق التي يمكن الركون إليها لفهم خصائص مرحلة صنعت من طحن أعمار الناس ومصادرة أصواتهم سمتَين أساسيّتين لها.
من هؤلاء الأفراد، يبرز اسم فائق المير، أبو علي، أو "العميم" كما يسمّيه صحبه ورفاقه.

فالرجل القدموسي عانى منذ أواخر السبعينات عسف النظام المباشر والعنف الجسدي الذي طاله ومروحةً واسعة من الناشطين السياسيين السوريين، فاعتُقل وضُرب وتوارى عن الأنظار فترةً طويلة قبل أن تُطبق عليه أجهزة الطغيان، فيدخل السجن عام 1989 ويُمضي فيه عشر سنوات بتهمة الانتماء الى "الحزب الشيوعي السوري – المكتب السياسي" (الخارج فكرياً وسياسياً على التجربة البكداشية الموالية للأسد والمتحوّل لاحقاً الى "حزب الشعب الديمقراطي")...

"تعرّف" فائق بعد خروجه من السجن الى ابنته التي شبّت الى جانب أخيها وأمّها في غيابه. لكنه ما لبث أن فارقهم من جديد. كانت تهمته هذه المرّة مرتبطةً بقدومه الى بيروت عام 2005 لتقديم التعازي باستشهاد سمير قصير وجورج حاوي ثم جبران تويني. فاتُّهم بالاتّصال بجهات خارجية معادية (متقبّلي التعازي!) وبإرادة النيل من هيبة الدولة. وسُجن عقب ذلك قرابة العامين قبل أن يخرج مجدداً ليُعاود نشاطه عام 2008، ثم يعود لحياة التخفّي والابتعاد عن الأنظار ابتداءً من العام 2010 بعد صدور مذكّرة توقيف جديدة بحقّه.

ومع اندلاع الثورة السورية، انخرط فائق في مختلف أنشطتها وفعالياتها، ثم رابط على مدى عام بأكمله في الغوطة قبل أن ينجح النظام في اعتقاله البارحة الإثنين خلال إحدى زياراته لدمشق المحتلة.

هكذا، عاش فائق المير ومعه عائلته سنوات السجن وسنوات الاختباء والخوف. ثم عاش انطلاقة الثورة واشتداد عودها، وعاش أيضاً كفاحها المسلّح المرير دفاعاً عن أهلها. وجسّد - كما حزبه - يساراً ثورياً على تماس مباشر مع "الشعب" الذي يدّعي النطق باسمه. لم يضع المشروطيّات على ناسه وهم يُقتلون ، ولم يرتد قفّازات ليتمنّع عن ملامسة ما يرفض الاعتراف به أو فهمه. قاتل من ضمن الثورة وعاش ظروفها وصعابها وواكب التحوّلات فيها وحولها.


فائق المير اليوم في قبضة النظام من جديد... سيرته وما فيها من "خسائر" أحدثها الاستبداد سيرة سورية بامتياز، وتأريخ ل"سوريا الأسد" ثم للانتفاضة عليها. 
ولعلّ في المقطع التالي من محضر استجوابه أمام قاضي التحقيق في دمشق بحضور المحامي خليل معتوق (في الساعة 2,40 من يوم الأربعاء الواقع في 20/12/2006) ما يظّهر الصدام بين "سرديّتين"، بين تأريخين: سرديّة "رسمية" اتهامية (آخذة في الأفول) وسرديّة الناس الذين يمثّلهم أبو علي والمصمّمين على استعادة بلادهم كاملة: .... "يُسند إليك جُرم النيل من هيبة الدولة والشعور القومي وزعزعة الأمن والاستقرار وإثارة الفتنة ودس الدسائس لدى دولة معادية، سُئل، فأجاب: أرفض السؤال الذي وُجّه إلي... هدفي... الحفاظ على الاستقلال الوطني وتحرير الجولان وإنهاء الاستبداد وإقامة الدولة الديموقراطية ووجوب تداول السلطة وعدم التفرد بالحكم... إننا مستمرون في معركة الديموقراطية وبناء الدولة الحديثة...".
لأبي علي السلامة والحرية.
زياد ماجد