Wednesday, September 18, 2013

إيران والكيماوي السوري

بمعزل عن الصراخ والعنتريّات والاستهلاك الإعلامي، تبدو إيران منذ 21 آب 2013 طرفاً محرجاً ومتضرّراً من الاستخدام الكثيف للأسلحة الكيماوية من قبل حليفها في سوريا. وتبدو منذ الاتفاق الملتبس بين الإدارتين الروسية والأميركية حول الشأن الكيماوي السوري طرفاً قلقاً إن لم يكن متوتّراً.

وللضرر ثم القلق والتوتّر الايراني مستويان.

في المستوى الأول، السياسي المباشر، تظهر طهران منذ 21 آب كمراقب غير قادر على التأثير الحاسم في مجرى  الأحداث. يبدو دعمها المفرط لنظام الأسد بالعتاد والأموال والخبراء وتجنيد المقاتلين العراقيين والدفع بالآلاف من مقاتلي حزب الله اللبنانيين الى العمق السوري غير كافٍ لحجز موقع لها حتى الآن للتفاوض على الوضع السوري. وتبدو عاجزة على الساحة الدولية، يمكن لاتفاق تقبل به موسكو أن يُضعفها في المعادلة السياسية ويبقيها قوة عسكرية تضطرّ الى الانكفاء إن وافقت، أو الى المزيد من التفجير والتصعيد غير مضمونَي التبعات إن شاءت التعبير عن رفض أو "ممانعة".

أما في المستوى الثاني، التقني الاستراتيجي إن صحّ التعبير، فإيران قلقة من السابقة السورية التي تفتح الطريق نحو أحوالها النووية. بهذا المعنى، فإن الايرانيين كانوا يفضّلون أن يستمرّ الأسد بذبح شعبه بالأسلحة التقليدية، وأن لا يطرق باب الكيماوي. ليس لأن في ذاكرتهم أهوال حرب الخليج الأولى التي قصفهم صدّام خلالها بالكيماوي فحسب، بل أيضاً وخاصة لأن فتح باب البرامج الكيماوية والجرثومية في سوريا لا بد أن يفضي الى تركيز جديد على البرنامج النووي الايراني. والأنكى أن تسليم النظام السوري لما كان يتغنّى به بوصفه سلاحه الرادع في وجه "الخارج" لمهمة تفتيش دولي، تلي تقريراً أممياً يثبت استخدام السلاح إياه ضد مدنيين سوريين، يعني مزيداً من الانكشاف السوري الإقليمي (وانطلاقاً من الكيماوي) على جولات مفاوضات داخل مجلس الأمن حول الفصل السابع مع استمرار للتهديدات ولمحاولات الإحالة الى المحاكم الدولية المختصّة. وهذا يمدّد بقاء الايرانيين سورياً مراقبين-مقاتلين لا مقرّرين.
كما أن سهولة الاستسلام الأسدي بعد بضع تهديدات أميركية فرنسية وتمنّع روسيا عن التهديد المضاد بل بحثها عن مخرج "يتنازل" فيه الأسد جدياً كي يربح وقتاً ويتجنّب الضربة مقلقٌ لطهران. فأوان البتّ بشأن برنامجها النووي سيأتي عاجلاً أم آجلاً. وخسارة أي ورقة في التحضيرات الإيرانية للمفاوضات الحاسمة خسارة جسيمة. والشعور بمرونة الروس وقدرتهم على "التضحية" ببعض الملفات في لحظات التهديد الأميركي الجدّية غير مشجّعة.



كل هذا، يجعل من إيران أبرز المتضرّرين الاقليميين والدوليين ممّا جرى، على الأقل في المرحلة الراهنة. وفي تضرّرها ما قد يبعث على بعض الاطمئنان إن دفع بقادتها الى واقعية أو براغماتية تلجم اندفاعهم السوري، أو على الأقل تلزمهم بإعادة تقييم حسابات الربح والخسارة في ساحة لن يملكوا كلمة الحسم فيها...
زياد ماجد