Friday, August 16, 2013

رجل أمن ولاجئون

تتعاظم أزمة اللاجئين السوريين والفلسطينيين/السوريين في لبنان، ومن المتوقّع أن تزداد تعاظماً في المقبل من الأسابيع والأشهر. ولا يمكن لأحد أن ينفي أن التعامل مع هذه الأزمة صعب إدارياً ولوجستياً، وأنه يسبّب توتّرات واحتقانات وضغطاً ليس للدولة اللبنانية (أو لما تبقّى منها) ولهيئات المجتمع المدني الوطنية القدرة وحدها على تحمّله. وقد صار من الملحّ اليوم وضع خطّة شاملة تطرح سبل التعاطي مع قضية النزوح واحتمالات تزايده وتتقدّم بطلب معونة عربية ودولية لاستيعاب تبعاته الاقتصادية والخدماتية.
في المقابل، لا يمكن لصعوبة التعامل مع الأزمة الانسانية الكبرى التي يمثّلها تهجير مئات الألوف نتيجة القصف والقتل في سوريا أن تسمح لممارسات لبنانية أن تستمر تعبيراً عن عنصرية وعنجهية لا تُعيبان غير أصحابهما...

فبعد اللافتات المقيتة التي رفعتها عدّة بلديّات والتي تحظر تجوّل "اللاجئين" ليلاً، وبعد التصريحات التي أطلقها بعض السياسيين وما حملته من كراهية، ها نحن اليوم أمام مشهد فيديو يُظهر رجل أمن لبناني يعتدي بالضرب (بهراوة أو بحزام!) على لاجئين محتشدين في نقطة حدودية، مجسّداً في سلوكه المتخلّف انحرافاً وانتهاكاً للقانون ينبغي محاسبته ومسؤوليه المباشرين عنه. فأن يكون هناك مناخ عنصري في المجتمع اللبناني مسؤولة عنه التربية والإعلام وبعض مصطلحات اللغة واستخداماتها والصور النمطية المتوارثة وسلوك السياسيين شيء (وهو شيء يستحقّ في أي حال أن يولى جهوداً كبرى في المستقبل لمكافحته)، وأن يمارس العنصرية ممثّلون رسميّون للدولة بصفتهم تلك شيء آخر يُفترض طلب إجراءات تأديبية مباشرة بحقّهم ومقاضاتهم. ذلك أن المسألة تتعدّى الأخلاق والثقافة الى الحيّز القانوني والى صورة الأجهزة العسكرية والأمنية ومسؤوليّتها في تقديم نموذج لعناصرها المرتدين بدلات مرقّطة، ليس للونها أن يوفّر الحصانة تجاه القانون ولا أن يسمح بالتطاول على المدنيّين أو إهانتهم.


يمكن طبعاً البحث في الكثير من الجوانب المرتبطة بتاريخ ممارسة العنصرية "رسمياً" في لبنان، والتي تكثّفت وتتكثّف في أشكال التعاطي السياسي والتشريعي والأمني مع المخيمات الفلسطينية، ثم مع العاملات والعمّال الأجانب، والآن مع النازحين من سوريا. ويمكن كذلك القول إن الاعتداءات والانتهاكات القانونية تصيب أحياناً لبنانيين تماماً كما أصابت غيرهم. لكنّ هذا لم يعد يفيد. ما يفيد هو، إضافة الى الحملات والمبادرات المدنية النبيلة التي تظهر بين الحين والآخر، البحث في سبل مقاضاة الأفراد والهيئات المرتبطين بالدولة ومؤسساتها الذين يشكّل خطابهم وسلوكهم انتهاكاً لنصّ الدستور اللبناني وللمعاهدات التي وقّع عليها لبنان. ففي هكذا مقاضاة ما قد يردع البعض منهم أو على الأقل يدفع المسؤولين عنهم للتفكير ملياً بنتائج سلوكهم وعدوانيّتهم، بانتظار أن تُتيح الظروف إصلاحات وتشريعات ومراصد تتصدّى لواحدٍ من أكثر الأعراض قباحة وتفشيّاً...
زياد ماجد