Friday, June 21, 2013

عن الانتخابات الإيرانية

إنتهت الانتخابات الرئاسية الإيرانية الى نتائج مفاجئة، إذ منحت الشيخ حسن روحاني الفوز من الدورة الأولى بعد حصوله على 18,6 مليون صوت من أصوات أكثر من 36 مليون ناخب شاركوا في العملية الانتخابية. وقد عكست نسبة المشاركة المرتفعة (وصلت الى حدود 72 في المئة) حماساً كبيراً لدى معظم القوى والاتجاهات السياسية (ولو أنها لم تصل الى مستوى ال85 في المئة التي سجّلتها انتخابات العام 2009).
ويمكن تسجيل عدد من الملاحظات الأوّلية على هامش هذه الانتخابات.

الملاحظة الأولى مرتبطة بالنتيجة نفسها. ففوز المرشح المحسوب على معسكر الإصلاحيّين تمّ بسبب التعبئة في صفوف الأخيرين التي تفوّقت في الأسبوع الأخير على دعوات المقاطعة بحجة الخوف من تكرار التزوير الذي شهدته الانتخابات السابقة. وهذا دلّ على الحجم الكبير للكتلة المعترضة على الحكم وإدارته الاقتصادية والسياسية. كما أن انسحاب المرشّح عارف وحّد الصفّ الإصلاحي خلف مرشّح زكّاه الرئيسان السابقان خاتمي ورفسنجاني، مقابل تشتّت في كتلة المحافظين دفع ثمنها عمدة طهران قاليباف الذي بدا لفترة الأوفر حظّاً نتيجة "تكنوقراطيّته" وخبرته في إدارة العاصمة واعتباره الأقل تشدّداً في معسكره.

الملاحظة الثانية، مفادها أن التزوير لم يقع هذه المرة لعدّة أسباب أبرزها غياب التوافق داخل المعسكر المحافظ على مرشّح واحد يمكن "تحسين شروطه" داخل الصناديق، والخشية من تكرار الصدامات مع الإصلاحيين والمعارضين في مرحلة أزمة إقتصادية متفاقمة تمرّ بها البلاد. يضاف الى ذلك تعقيدات الوضع داخل "الاستبلاشمانت" الحاكم، وتداعيات الصراع المرير الذي دار في السنة الأخيرة بين الرئيس نجاد (الذي رفض مجلس صيانة الدستور ترشيح حليفه مِشائي الى الانتخابات) والمرشد الخامنئي. وهو صراع دفع الأخير رغم انتصاره الى تجنّب تأييد مرشّح محافظ قوي (كقاليباف أو حتى القائد السابق للحرس الثوري رزائي) تحسّباً لتنافس محتمل يتسبّب بانقسامات داخل معسكره، خاصة أن وضع الخامنئي الصحي وتقدّمه بالعمر سيدفع قريباً قضية خلافته الى الواجهة (وهو يحاول تقديم ابنه مجتبى). ويُنقل عن مراقبين أن المرشد كان يميل الى جليلي (المدعوم من ميليشا "الباسيج") لضعف حيثيّته السياسية المستقلّة ولخضوعه الكامل له، لكنّه قرّر الحياد العلني كي لا يتسبّب موقفه بارتباكات إضافية في الوسط المحافظ.

الملاحظة الثالثة أن الانتخابات تمّت في ظلّ حضور ضئيل للسياسة الخارجية في سجالاتها. فالأولوية بدت للإقتصاد المتهاوي (نسبة التضخّم قاربت ال30 في المئة وفقد الريال الايراني 70 في المئة من قيمته مقابل الدولار الأميركي، في وقت تخطّت البطالة معدّل ال15 في المئة آخر العام 2012). والأولوية كذلك، على الأقل بالنسبة لنصف الناخبين، كانت للحدّ من قمع الحرّيات الخاصة والعامة في ظل السيطرة المتزايدة لأجهزة الأمن على الحيّز العام. ويأتي بعد ذلك الملف النووي الذي يختلف الإيرانيون حول سبل إدارته والتفاوض مع واشنطن حوله للتخفيف من العقوبات الدولية، لكّن أكثريّتهم تُجمع حول حقّ بلادهم بالطاقة النووية (وينبغي القول إن الشأن النووي يُعدّ شأن تفاخر قومي يتشارك فيه معظم المحافظين والإصلاحيّين، ولا يشذّ عن الأمر حتى أكثر المنشقّين المقيمين في الدول الغربية). وفي هذا السياق، يُعتبر روحاني براغماتياً نتيجة قربه من رفسنجاني (الذي مُنع من الترشّح) ومعتدلاً نتيجة خبرته في المفاوضات بين العامين 2003 و2005 خلال ولاية خاتمي الثانية التي وافق خلالها على تجميد تخصيب اليورانيوم (وليس وقفه)، كما وافق على تفتيش المنشآت الإيرانية، لكنّه لن يُعدّل موقف بلاده من مبدأ امتلاك الطاقة النووية. ولعلّ تصريحه الأوّل في ما خصّ هذا الشأن واضح الدلالات، إذ قال: "لن نتراجع أو نساوم على حقّنا، لكننا لن نكون مغامرين".

الملاحظة الرابعة أن التغيّر في السياسات الإيرانية الخارجية لن يكون، في ما خلا التكتيك التفاوضي نووياً وإدارة العلاقات التجارية والسعي لجذب الاستثمارات الاجنبية، كبيراً. فالمرشد الخامنئي ومساعدوه يمسكون اليوم بالمفاصل الأساسية في الدولة ومؤسّساتها. وهم شدّدوا من قبضتهم الأمنية والسياسية على مرحلتين بعد العام 2009، عقب الانتفاضة التي تبعت تزوير الانتخابات والإطاحة بمير حسين موسوي، ثم بعد العام 2012 وبدء الصراع بين أحمدي نجاد والمرشد. ويكفي أن على روحاني أن يتعاون تحت إشراف الخامنئي نفسه مع الحرس الثوري المهيمن على خيارات السياسة الخارجية، ومع الأخوين لاريجاني رئيسا السلطة التشريعية والسلطة القضائية، كما مع أجهزة الأمن والمخابرات المعتمدة في بعض مفاصلها الداخلية على "الباسيج"، لمعرفة كمّ الصعوبات التي ستواجهه في المرحلة المقبلة...


في الختام، ورغم الفرح الذي عمّ شوارع المدن الإيرانية، ورغم الشعارات الجذرية والمتحدّية التي رُفعت والتي اتّهمت المرشد والرئيس السابق بالتزوير والكذب متسائلة بسخرية عن أسباب اختفاء ال"63 في المئة من الأصوات التي مُنحت عام 2009 لنجاد"، ورغم إهداء الطلاب الفوز الى زملائهم الذين قُتلوا خلال القمع الذي تعرّضت له مظاهراتهم قبل أربع سنوات، ورغم هتافاتهم لموسوي وللحرية، لا تبدو النتيجة كافية للرئيس الجديد روحاني لتحقيق تغيير عميق، أقلّه في المدى القصير. فأولويّاته ستكون اقتصادية – مالية. وتوجّهاته الإصلاحية سياسياً ستكون محاصرة داخل مؤسسات الجمهورية الإسلامية. ويمكن تشبيه وضعه بوضع الرئيس السابق خاتمي الذي لم يتمكّن رغم انفتاحه من تبديل الكثير من الأمور، ولو أنه أظهر وجهاً معتدلاً وأوجد بعض الأمل في تغيير بطيء أوقفته انتخابات العام 2005 ثم طعنته انتخابات ال2009.


في أي حال، ستحكم الأشهر المقبلة على مسارات الرئيس الجديد، وستحسم توازنات القوى المسائل الكبرى بعيداً عن المبالغات والإسقاطات الخاطئة التي تكثر اليوم: تلك التي لا تولي المجتمع الإيراني وحيويّاته الكبيرة القيمة التي تستحقّها، أو تلك التي تظنّ فوز مرشّح معتدل بالرئاسة كفيلاً بتغيير وجه إيران  وسياساتها الخارجية...
زياد ماجد