Sunday, February 10, 2013

نفط بعض اليساريّين

يُكثر كتّابٌ وناشطون "يساريّون" لبنانيون من استخدام مصطلح النفط في شتائمهم وسرديّاتهم الهجائية، وفي ادّعائهم استقلالاً عن "المُشتقّات النفطية"، حاصرين الأخيرة بالسعودية.
والحقّ أنّهم نجحوا في تحويل شتم النفط الى ما يُشبه "البرنامج السياسي"، مكتفين بتكراره والتوسّع فيه، معوّضين بذلك عن خوائهم الفكري وعن غياب الأطروحات أو المعلومات أو حتى المواقف في ما يكتبون، ما خلا تردادهم بديهيّات بسماجة قلّ نظيرها.

والمفارقة أن الكتّاب والناشطين هؤلاء، من جيلين وأحياناً ثلاثة، إنما يُبالغون في هجاء النفط لأنهم تحديداً يريدون لقرّائهم ومراقبيهم نسيان أنهم اعتاشوا أو هم اليوم يعتاشون عليه! فمَن كان منهم متطوّعاً أو متفرّغاً، في تنظيمات اليسارَين اللبناني والفلسطيني في السبعينات والثمانينات، لم يقبض أو يُنفق فلساً (أو طلقةً) إلا وكان النفط واحداً من مصادره: من نفط العراق وذخائره ودُور نشره التي ازدهرت، الى نفط ليبيا وملايين الدولارات التي أُنفقت تسليحاً وجرائد و"مراكز أبحاث"، الى نفط الجزائر ومؤتمراته ومهرجاناته، وصولاً الى النفط السوفياتي الذي كان (وما زال بعد تحوّله روسيّاً) مصدر الدخل الأهم - الى جانب تجارة السلاح - لخزينة موسكو وحلفائها.

أكثر من ذلك، لم يكن نفط تمويل اليسارَين اللبناني والفلسطيني "تقدّمياً" فقط، أي من الأنظمة التي سبق ذكرها، والتي تتّخذ الصواريخ والطائرات والسلاح الكيماوي وسائل لقمع شعوبها عِوض السيوف والحجارة والمشانق التي تعتمدها نظيراتها "الرجعية". فقد غرف اليسارَين من النفط "الرجعي" أيضاً، إذ أن موازنة منظمة التحرير الفلسطينية التي استفادا منها طويلاً، إتّكلت في الكثير من المراحل على الدعم الخليجي (السعودي والكويتي تحديداً).


وإن قفزنا عن تلك المرحلة لنرَ مصادر تمويل شتّامي "النفط" اليوم، لوجدنا أن النفط إياه ما زال في الصدارة! فبعد كوبونات العراق في التسعينات واستفادة يساريّين (ويمينيين) "متضامنين مع صدّام" منها، مررنا بمرحلة "نفط وغاز" قطريّين في أواسط العقد الأول من الألفية الثالثة لم توفّر الممانعين، لنرسوَ اليوم على أحادية نفط إيران الذي بعد إنشائه مالّيات القوى الإسلامية "المقاومة" وسّع ساحات تدفّقه ليمدّ منابر "يسارية" ببترودولارات تتيح للعاملين فيها وكتَبتهم أن يشتموا "البراميل السعودية" والمنابر المنافسة المستفيدة منها!

وحتى إن تجاوزنا "الشرق الأوسط" وحقوله وارتحلنا صوب قبلة بعض "اليساريّين" الجديدة، أي كاراكاس، لما وقعنا على غير النفط وريعه لتفسير أبرز العوامل التي حملت هوغو شافيز الى ولايته الجديدة، إلا إن كان "الرفاق" يظنّون أن الصناعات الثقيلة والتعاونيات الزراعية هي ما حصّن الاقتصاد الفنزويلي وأمّن لحكم الرئيس "اليساري" الإنفاق الإعلامي والإداري وتوزيع المساعدات الصحية والتعليمية على فقراء البلاد ومهمّشيها!

النفط هو إذن واحد من أكثر مصادر دخل القوى السياسية والمؤسسات الإعلامية العربية (وغير العربية) فاعلية، وقد استفاد منه (وما زال) تكسّباً وارتزاقاً أو حاجة موضوعية يساريّون (ويمينيّون) فرادى وجماعات. وينبغي تحريره من الأحكام القيمية التلقائية، والتوقّف عند آثاره – في منطقتنا على الأقل – لفهم منظومات ريعه وأثرها في بنى الاقتصاد وسياسات الانتاج والتشغيل وتوزيع الثروة كما في أخلاق العمل ومؤدّيات تسديد الضرائب وما يُبنى على ذلك عادة من حقوق مساءلة ومحاسبة. أما اختصار أمره بمجرّد براميل "سعودية" متطايرة هنا أو مخبّأة هناك لاستخدامه في مناكفات لبنانية (أو فلسطينية أو سورية) فارغة، فهو نِفاق وتفاهة لا تشبه غير أصحابها، ماضياً وحاضرا...
زياد ماجد