Saturday, August 25, 2012

جيش وشعب ومقاومة

يدرك اللبنانيون أن مقولة "الجيش والشعب والمقاومة" بمعزل عن الترتيب المعتمد لعباراتها الثلاث ليست أكثر من تحايل لفظي هدفه تشريع ثنائية عسكرية - أمنية في لبنان، هي ثنائية الجيش وحزب الله. ويمكن لمن يريد البحث في معنى الثنائية هذه في السياق الطوائفي والخلافي اللبناني أن يتحدّث عن مؤسسة عسكرية رسمية، هي تلك التي تخصّ الدولة بما هي موضع التعاقد السياسي (المُفترض) بين اللبنانيين، وعن مؤسسة عسكرية أهلية، هي تلك التي تمثّل أكثرية شيعية وتشكّل مصدر خوف وتهديد لقسم كبير من سائر اللبنانيين.

على هذا الأساس، لا يملك شعار "الجيش والشعب والمقاومة" أن يقيم توازناً أو تكاملاً بين مكوّنات ثلاثة لمعادلة سياسية "دفاعية" على ما يدّعي مُعتمدوه. هو يحيل (بسماجة لفظية) الى قضية فقدان الدولة سيادتها السياسية وقدرتها على "احتكار العنف" المباشر أو الرمزي التي يفترض بالدول أن تملك. كما يحيل الى استحالة قدرتها على تحديد توجّهاتها الخارجية في منطقة شديدة التوتّر نتيجة هشاشة الإجماعات الوطنية أولاً – أي هشاشة إجماعات "الشعب" نفسه الذي تشير إليه العبارة، ونتيجة فرض "المقاومة" خياراتها عليها ثانياً لأنها شريكة فيها وفي "الشعب" الذي تمثّل. والخيارات هنا قد تكون عسكرية و- لأسباب نووية  علاقة للبنان بها لا من قريب ولا من بعيد


على أن الأمر يتخطّى التوجّهات الخارجية التي يمكن لعوامل عديدة أن تتحكّم بها وتلجم انفلات صراعاتها. فتداعيات استفراد طرف مذهبي بحمل السلاح وتوظيفه داخلياً تحت مسمّى "المقاومة" لا يمكن أن تبقى بعيدة عن استثارة ردود أفعال أطراف مذهبيين آخرين ولا يمكن كذلك أن تبقيهم في كنف "الدولة" حين تكون الاخيرة مساوية نظرياً للمقاومة وتحت رحمتها فعلياً. وهذا في ذاته مدعاة استجلاب كل أنواع التوتّرات والتشنّجات المحلية.

أما وأن "المقاومة" قد قرّرت، إضافة الى كل هذا، توظيف "جناح عسكري" لإحدى عائلات "الشعب" لخطف رعايا أجانب وقطع الطرقات وتهديد سلامة المطار الدولي رداً على خطف مناصرين لها أو أعضاء من "شعبها" في بلد الرعايا، فإنها تدفع نحو المزيد من تفكيك سيادة الدولة ومن تعميق الانقسامات داخل "الشعب" نفسه. ذلك أنه لم يعد من مبرّر للدولة أن تمنع تشكّل أجنحة عسكرية لعائلات أخرى من الشعب، ومن مذاهب مختلفة هذه المرة، للتصرّف وفق ما تقتضيه مرجعيّات هذه العائلات و"مصالحها" و"تحالفاتها" الخارجية.

بهذا المعنى، تشكّل التطوّرات الأخيرة التي شهدها لبنان أخطر تهديد لمقوّمات فكرة الدولة فيه. فالأحداث التي أصابت (وتصيب) بيروت وضواحيها وبعض المناطق البقاعية ليست سلوكاً إجرامياً ضد عمّال ولاجئين سوريين فحسب. هي أيضاً جرائم ضد فلسفة الدولة والقانون والمؤسسات الأمنية الشرعية. وهي جرائم قد تكون تأسيسية لجرائم تحاكيها مستقبلاً، بمبادرات "شعبية" وبهمَم عائلية عالية قد لا تترك الكثير للجيش والمقاومة والشعب لِيسهروا عليه...
زياد ماجد