Tuesday, July 3, 2012

سوريا، الدم والوقت

يُدرك المتابع للشأن السوري بأن نظاماً لا يسيطر على أكثر من 50 في المئة من الأراضي السورية، رغم دبّاباته وراجماته وحوّاماته وشبّيحته وأثقال 42 عاماً من حكم مخابراته ومافياته، في مواجهة شعب أعزل ومجموعات قليلة التجهيز من المقاتلين والجنود المنشقّين، لهو نظام متهالك لا محالة.
وكل تدقيق في تفاصيل الواقع كما ينقلها الناشطون والكتّاب السوريون المطّلعون يؤكّد التهالك هذا، ويؤكّد أن الانهيار مسألة وقت، وللأسف، مسألة كلفة إضافية قد تكون - تبعاً لشكل الانهيار - مخيفة.

فالقاعدة الاجتماعية للنظام ضاقت كثيراً بعد أن انهارت سطوته المعنوية، وتقطّعت أوصال مؤسساته التعبوية، وتراجعت قدراته الاقتصادية والمالية والتنفيعية، وانحسر حضوره السياسي وضمُر انتشاره الأمني. وهو صار منذ فترة أشبه بقوّة احتلال عسكري أكثر منه بمجرّد سلطة استبداد، إذ يكفي انسحاب وحداته العسكرية من منطقة حتى يعود إليها أهلُها متظاهرين من جديد ضده، ويبرز من بينهم تكراراً العناصر المنشقّون والمسلّحون المعارضون الذين لم يُرهبهم القتل والتنكيل والتدمير. كما أن الوقت يستنزفه بقدر ما يتسبّب بنزيف السوريين. فهو بعد تبيان عجزه عن الحسم ميدانياً لن يستطيع الاستمرار في الاتّكال على الدعم الروسي والصيني (ثم الايراني) طويلاً، وبلا شروط. ذلك أن تحوّل الوضع الى استنزاف وتآكل، يُفقد موسكو الكثير من صلاحياتها "المأمولة" في أي مرحلة "فضّ نزاع"، ويُدخل لاعبين جدداً، ليسوا بالضرورة مضموني المواقف في حال قيام مفاوضات جدية بينها وبين واشنطن 

كذلك، يُبقي استمرار حضور "الحدث" السوري رئيسياً على طاولات المؤتمرات العربية والدولية وفي وسائل الإعلام الضغط على النظام قائماً. ويُبقي المسؤولين الدوليين في حرج تجاه عجزهم عن الوصول الى حلول، تدفعهم ولو "مُكرهين" وبطيئين الى المزيد من الضغط على دمشق والمزيد من العزل الديبلوماسي والاقتصادي لها والتباحث في سبل إخراج العائلة الحاكمة من السلطة فيها ضمن سلة تفاهمات وضمانات حول الأدوار والمصالح الدولية في المنطقة. وفي هذا، ما يُشير الى اقتناع أكثر العواصم العالمية اليوم بأن الأسد الإبن لم يعد جزءاً من أي حل، ولو مؤقّت، وأن نظامه فقد دوره السابق الذي ساعدت الظروف الإقليمية (إنكفاء مصر بعد كامب دايفيد، الحرب اللبنانية، الحرب العراقية الايرانية، ثم حرب الخليج الأولى) رئيسه الأب على التحوّل لاعباً شرق-أوسطياً يفاوض العالم على شجون جواره. فالوضع اليوم، انقلب، وصار النظام السوري نفسه مادة تفاوض أممي، بين باحثين عن حصص مستقبلية في بدائله، وباحثين آخرين عن شروط التخلّي عنه ومواصفات النظام الذي سيقوم انتقالياً بُعيد سقوطه. أما التوتير في لبنان والحكي عن العبوات الناسفة وغيرها، فأمور يقدر أيّ نظام إن ترأسّه "زعران" أو معتوهين أن يهدّدوا بها وينفّذوها. لكنها لم تعد تُؤخذ على محمل الجدّ سياسياً، إذ أن ضعف النظام داخل سوريا يحدّ كثيراً من قدرته على توظيفها أو اعتمادها، ولو وقعت، أساساً لمفاوضات أو ابتزازات جديدة...


بالمحصّلة، يمكن القول إن نظام الاحتلال السوري غدا بلا سياسة داخلية أو خارجية خارج سياق البطش والتنكيل، وبلا أمل في الانتصار أو حتى المقايضة، رغم كل الدعم الذي يتلقّاه من دول قريبة وبعيدة من جهة، ورغم الارتباك الذي يقابله من الدول المناهضة له (منذ عام) من جهة ثانية. والفضل في كل هذا التراجع والترنّح لنظام كان وما زال من الأكثر همجية في العالم، يعود للشعب السوري، وله وحده. فهو يواجه منذ 16 شهراً آلة القتل والتعذيب بشجاعة قلّ نظيرها، وهو ينتزع كل شهر حيّزاً أكبر من حرّيته، ويحرّر مساحات وساحات جديدة من ترابه. وهو وحده بصموده واستمراره يفرض على المتردّدين، وعلى أعداء النظام كما على حلفائه وداعميه، استيعاب أمر مفاده أن لا مكان بعد آذار 2011 لحكم آل الأسد، لا في مرحلة انتقالية ولا ضمن "مصالحة ووحدة وطنية".

هل هكذا كلام مُكثر في التفاؤل؟ لا أظنّ ذلك. فالأمور تتجّه يوماً بعد يوم الى تأكيد قرب النهاية. الخشية هي فقط من حجم الخراب وكمّ الآلام الذي سيرافق انهيار نظام يعيش في القرن الواحد والعشرين بعقلية إقطاعيي القرون الوسطى.
زياد ماجد