Wednesday, December 7, 2011

إسلاميّون انتخاباً

لم يكن مفاجئاً حصول الإسلاميين ذي المرجعية الأخوانية على 40% من الأصوات في تونس (ممثّلين بحزب النهضة)، و36% في مصر حيث وُلدت حركتهم (ممثّلين بحزب الحرية والعدالة). فالإسلاميون الأخوانيون كانوا على الدوام قوة سياسية وشعبية، وقد غيّبتهم الأنظمة على مدى عقود، فصار لفشلها على معظم المستويات ما يتيح لهم ادّعاء القدرة على تشكيل البديل إن هم حكموا أو سُمح لهم أن يُشاركوا. وهم خاضوا أوّل انتخابات حرّة بعد التغيير في تونس ومصر، وافدين الى السياسة "المباشرة" من خارج النادي الرسمي القائم: نظاماً مُهيمناً ومعارضات ضعيفة (وغير محظورة). وفي هذا ما يُعطيهم براءة ذمة من الماضي ويجعلهم في أعين الكثير من الناخبين "خارج نقد المرحلة المنصرمة". وطبعاً، هم يملكون تنظيماً جعله الشعور بالاضطهاد أشدّ مناقبيّة، ولديهم قدرات مادية وتعبوية هائلة، وشعارات يسيرة الحفظ على نحو يدعّم قدراتهم التنافسية.

أما في المغرب، فلم  يتخطّ الإخوانيون عتبة ال26 في المئة من الأصوات (ممثّلين بحزب العدالة والتنمية)، ولو أنهم لوحدهم أكبر الكتل، لأسباب عديدة. من هذه الأسباب (التي تنطبق أيضاً على نظرائهم في الأردن قبل عقدين) أنهم معروفون ولم يكونوا ضحايا على مدى عقود، ومنها أيضاً أن في هويّتهم السياسية – الدينية ما لا يُمثّل فرادة أو يُناقض الهوية المسبغة على عرش ملكهم، "أمير المؤمنين" (والأمر انطبق أيضاً على الأردنيين إذ أن ملكهم "سليل الهاشميين")، ومنها كذلك أن بعض المعارضات أشدّ جذرية من مُعارضتهم وتستقطب بالتالي ناخبين كثراً يصوّتون لأسباب سياسية أكثر منها خدماتية أو عائلية.


المفاجئ، بالمقابل، هو حصول السلفيين في مصر (بقيادة حزب النور) على نسبة من الأصوات وصلت الى ربع المصوتّين. ذلك أن التقديرات كانت لا تمنحهم أكثر من 10 في المئة. لكن بعض التدقيق في مسارهم، ربما يفسّر جوانب من صعودهم الكبير. فهم لم يتعاطوا السياسة المباشرة أو الانتخابية من قبل، واستفادوا لسنوات طويلة من توسّع أنشطتهم وتمويلهم (القادم بقسمٍ كبير منه من الخليج العربي) وعن ترعرعهم داخل مساجد ومؤسسات دينية وارتباطهم بوسائل إعلام ونشرات وحملات حجّ وتحجيب. والسلطات كانت تعدّهم عنصر جذب ضمن الحقل الديني يُبقي العلاقة بالإسلام دعوية اجتماعية معزولة عن السياسة، ويحدّ من قدرة الأخوان على التوسّع. فإذا بهم في أول مشاركة، يبدون القوة الثانية في البلاد، بخطاب يختلف جذرياً عن خطابات سائر القوى لجهة علاقته بالمرجعية الدينية للسياسة، ويظهرون في المشهد الرسمي لأول مرة في مصر.

على أن الأهمّ ربما، هو أن الأخوانيين والسلفيين في جميع الحالات وصلوا اليوم الى السلطة التشريعية وسيشكّلون غداً السلطة التنفيذية أو يشاركون فيها، على أساس تفويض انتخابي وِفق مبدأ ديمقراطي يقوم على تداول السلطة. وبهذا، هم محكومون بضوابط سياسية وقانونية، وبإمكان محاسبة في الصحافة وفي المظاهرات وفي الندوات ثم في الانتخابات القادمة. وعليهم بالتالي إن أرادوا تجديد انتصاراتهم أن يُترجموا وعودهم بالحلول "السحرية" للمشاكل الى سياسات مالية وتشغيلية وضريبية وصحية وعدلية وعمرانية وإنتاجية، والى مقاربات براغماتية للعلاقات الإقليمية والدولية، وغير ذلك من شؤون "الدولة" وقضاياها، مما لا ينفع معه الابتهال الصباحي وخطب الجمعة، ولا يُعدّل في مساراته قانون أحوال شخصية هنا أو منع عرض مسرحية هناك.

المُقبل من الأيام إذن مفتوح على صراعات سياسية وفكرية واجتماعية في أكثر بلداننا. وشرط التقدّم في هذه الصراعات وتعديل موازين القوى التي تتحكّم بمؤدّياتها هو بقاؤها سلمية ومدنية، واعتماد المنخرطين فيها العمل والنشاطية والنقد نهجاً بديلاً عن الصراخ أو البكاء على الأطلال...
زياد ماجد