Tuesday, October 26, 2010

عنف... عنف

ينتشر العنف في لبنان مؤخّراً على نحو لم نشهده منذ انتهاء الحرب الأهلية. وهو يتّخذ عدة مظاهر.
- مظهر النزاع بين عائلات وعشائر في أكثر من منطقة ومناسبة، يشتبك أفرادها ويلجؤون أحياناً الى السلاح والى الاعتداء على الأملاك الخاصة والعامة، بلا وازع ولا رقيب ولا محاسب.
- مظهر الثأر الفردي والجماعي من أشخاص متّهمين بجرائم أو مدانين، على نحو مقزّز ومرعب وبعيد كل البعد عن فلسفة القانون التي تحصر المحاكمات وما قد يليها من إدانات وعقوبات بالمؤسسات والأجهزة المختصة. 


- مظهر القتل العائلي المأساوي، الذي تغطّي مشهديّته وجماعية الإعدام التراجيدي فيه على "طبيعته" نفسها وعلى كونه انفلاتاً لغريزة الموت وقراراً بإفناء الذات والذرية انتقاماً من واقع أو هروباً منه يُلزَم الآخرون في "اعتماده".
- مظهر العنف المنزلي، والتقارير حول تعرّض المرأة والأطفال له تظهر أرقاماً مقلقة وانتشاراً واسعاً لعملياته (رغم كل الحملات والجهود المجتمعية والإعلامية)، إذ تصل نسبة النساء المعنّفات الى الثلث من إجمالي النساء المقيمات في لبنان. علماً أن الكثير من قوانين الأحوال الشخصية، تماماً كما قانون الجنسية الحارم المرأة من منح المواطنية لأبنائها وزوجها، تشكّل بذاتها عنفاً رمزياً ضد النساء والأطفال.
- مظهر العنصرية بوصفه عنفاً اجتماعياً-ثقافياً، يُترجم أحياناً الى عنف جسدي، يواجهه عمّال أجانب في لبنان، وتكثر التقارير حول استهدافه العاملات الأجنبيات في المنازل تحديداً.
- مظهر قيادة السيارات على نحو يتخطّى التهوّر ليلامس حدود الإجرام، ولنا في مقتل عائلات مؤخراً في حوادث اصطدام، ومقتل طلاب في بيروت والشمال دهساً، نماذج مريعة لما يمكن أن يبلغه الاستهتار والاستخفاف بحياة الآخرين، لا سيّما المشاة منهم. وهذا شكل من أشكال العنف العشوائي.
- مظهر العنف اللفظي السياسي والطائفي المتفشّي حيث الفرق بين الشتيمة والتهمة والنقد والاختلاف يكاد يندثر. وهذا ما نقع عليه في مقالات "رأي" وبرامج "حوار" وفي الكثير من خطابات السياسيين وتهديداتهم وأصابعهم المرفوعة. ونقع عليه أيضاً في مشادات الصبية والأهل والنزاعات في البيوت والشوارع. حتى يكاد يبدو أن المغالاة والصراخ باتا مستحسنَين في كل سجال ونقاش ومقال للفت الأنظار وإثبات البأس و"الشجاعة".

وإن أضفنا الى كل هذا، العنف الميداني - الميليشياوي الذي تتوّجه اشتباكات (كتلك التي شهدتها برج أبي حيدر)، وإن أضفنا أيضاً استسهال الحديث صعوداً ونزولاً بالفتنة وبالحرب الأهلية وبتنفيذ 7 أيار (وسبعين 7 أيار) وبغير ذلك من الكبائر، وقعنا على بيئة في لبنان يُصار الى تحويلها الى "بيئة حاضنة" للعنف، مستعدّة له، مستسيغة لتبعاته. وفي هذا، استهزاء بالمسؤوليات الفردية والجماعية في كبح جماح السلوكيات العنفية، واعتداء على القوانين والتشريعات والهيئات القضائية والأمنية الرسمية، وخلط بين الحق في انتقادها والدعوة الى تحسينها وتطوير أدائها، وبين السير نحو اعتبارها مؤسسات بغير قيمة أو جدوى أو مصداقية أو قدرة على فرض النظام وتطبيقه.

بعد كل ما ورد، هل من مبالغة في القول إن استشراء العنف وانفلاته صار هذه الأيام يتخطّى ربطه بظروف اجتماعية واقتصادية ونفسية متوتّرة (على خطورتها)، ليلامس حدود الانقلاب على فلسفة التعاقد بين الناس للعيش تحت سلطة دولة وقانون؟
لا نظنّ أن في الأمر مبالغة. ولا يبدو أن السلوك السياسي اللبناني السائد سيعدّل هذا الظنّ في المقبل من الأيام...
زياد ماجد