Tuesday, May 25, 2010

عيد الفرصة الضائعة

لعلّ التسمية الأدقّ التي يمكن أن تُطلق على عيد التحرير، بعد عشر سنوات على اندحار الاحتلال الاسرائيلي عن جنوب لبنان، هي عيد الفرصة الضائعة.

فتحرير الأرض الجنوبية لم يحرّر لبنان من أسره الإقليمي ومن إرادة إبقائه ساحة تبادل رسائل.
وهو لم يُطلق مساراً سياسياً يصالح التحرّر من إسرائيل يومها بإرادة الاستقلال من هيمنة النظام السوري الذي تذرّع بالاحتلال لانتهاك اتفاق الطائف وإبقاء قواته ومخابراته فوق الأراضي اللبنانية.
كما أنه لم يجعل بناء الدولة هاجساً والانخراط فيها ميدان عمل جديد لحزب الله، صاحب الفضل الأكبر في الإنجاز التحريري.

على العكس من كل ذلك، تحوّل لبنان بعد التحرير، من خلال مزارع شبعا، الى منطقة التماس الأبرز في المعادلات الإقليمية.
ووُضع إنجاز التحرير فيه مقابل التوق الى الاستقلال وكأنهما متنافِرين أو حتى متصادِمين.
وبدا بناء الدولة شأناً لا يعني المساهمين في تحرير الأرض، المستمرّين ببناء دولة خاصة الى جانب – وعلى حساب - الدولة اللبنانية.


... بهذا، مرّت السنوات والإنجازات والإخفاقات والحروب، وتناثر الخطاب السياسي يمنة ويساراً وكأن لا تحرير تمّ ولا دولة وجُب أن تقوم لتصونه وتحميه.
وبهذا أيضاً، ما زالت تتردّد في لبنان اليوم عبارات من نوع "شيّدوا دولة قوية تستلموا سلاحنا"، وكأن التشييد ممكن في ظل سلاح يُملي عليه شروطه وحدوده وأولويّاته الخارجية.

النتيجة أننا نحتفل اليوم بعيد التحرير للمرة العاشرة، وأعيننا شاخصة نحو طهران (ودمشق) وواشنطن وتل أبيب وغيرها من العواصم ننتظر تسوية أو هولاً ولا حول لنا ولا قوة... ولا تحرير.

زياد ماجد

Tuesday, May 18, 2010

هل اللبنانيات مواطنات؟

لا تبدو الإجابة عن سؤال العنوان بديهية
فشروط المواطنية غير مُستكمَلة في حالة اللبنانيات، وهنّ أكثر بقليل من نصف أهل البلد، رغم كل التقدّم الحاصل على صعد التعليم والالتحاق المهني والحريات العامة والخاصة،
ليس لأن نسبة النساء في البرلمان اللبناني هي حوالي 3 في المئة (4 من أصل 128 نائباً)،
وليس لأنها 6,6 في المئة في الحكومة (2 من أصل 30 وزيراً)،
وليس لأنها لا تتجاوز ال10 في المئة في المجالس البلدية والاختيارية، وفي المناصب العليا في الإدارات العامة،
وليس حتى لأن ثمة تمييزاً بحق النساء في قوانين العمل والتعويضات الاجتماعية والصحية والعقوبات،
ولا لأن قوانين الأحوال الشخصية الخمسة عشرة المعتمدة تتماثل جميعها في إجحافهن وفي عدم مساواتهن "بالأزواج والأخوة"،
وليس لأن كثراً منهنّ غير مستقلاّت مالياً وبالتالي قدرةً على الحركة الحرّة والعيش الفردي الكريم،
ولا لأن ثمة عنفاً جسدياً ومعنوياً يُمارس على بعضهنّ في عدد من المواضع في المجتمع اللبناني...

فكل هذه القضايا الجسيمة ليست في ذاتها السبب في عدم اكتمال شروط المواطنية عند اللبنانيات، ولو أنها تساهم في إيجاد أرضية تشريعية وسياسية واجتماعية تجعل تهميشهنّ ممكناً، وظلمهنّ مباحاً ولا مواطنيّتهنّ قائمة
السبب الأهم في عدم اكتمال مواطنية اللبنانيات يكمن في رفض القانون اللبناني منحهنّ الحق في نقل جنسيّتهن اللبنانية الى من تتزوّجن وتلدن، ورفضه الاعتراف بمساواتهن والرجال انتماءً الى بلدهم. فأبناء اللبنانية المتزوّجة من أجنبي أجانب. وهم يحتاجون كما آباؤهم الى تأشيرات دخول الى "وطن" والدتهم، أو الى أذن إقامة للعيش الى جانبها. ويمكن لطلباتهم أن تُردّ، ويمكن أن يُسجنوا ويُرحّلوا إن ظلّوا في لبنان وإن رفضت الدوائر المعنية في الدولة اللبنانية تجديد تأشيراتهم وإقاماتهم.
ولعل الحالات التي تتناقلها الصحافة هذه الأيام حول اعتصام لبنانيات أمام سجون بائسة ومكتظّة بالموقوفين (وجزء كبير منهم لم تصدر بحقهم أحكام بعد، وهذا شأن آخر) للمطالبة بالإفراج عن أزواجهن الأجانب المسجونين لانقضاء المهل الزمنية "لإقاماتهم الشرعية" في لبنان، وتلك التي تتحدّث عن بقاء أطفال في بلاد آبائهم لتعذّر استحصال أمّهاتهم على تأشيرات دخول لهم الى لبنان، أو تلك التي تشير الى نضال أمّ توفّي زوجها الأجنبي للاستحصال على جنسية لأولادها، لعل هذه الحالات، تظهر أن ما ذكرناه ليس افتراضات أو تداعيات محتملة لواقع قانوني معيّن، بل هي وقائع يعيشها أناس مقيمون في بلدهم الذي لا يعترف بحقّهم في الانتساب إليه...


بهذا، تبقى قضية المرأة في لبنان ومواطنيتها من أهم القضايا. ولا يغيّر في أهمّيتها وأولويّتها لا الكلام حول الصواريخ والحروب، ولا حول البلديات ومنازلاتها. فهذه وتلك على خطورتها لا تلغي حقيقة أن أغلب اللبنانيين ومشرّعيهم اليوم، وبمعزل عن مشاكل البلاد التي لا طاقة لهم على حلّها، ما زالوا غائبين عن الكثير من مسؤولياتهم وحقوقهم وواجباتهم تجاه قضايا يمكن لهم التصدّي لها. وينبغي على الدوام إقلاقهم وتذكيرهم بها، لأن بمقدورهم المبادرة الى التصرّف حيالها...
زياد ماجد

Tuesday, May 11, 2010

نووي... ومخاتير

ثمة مفارقات سياسية في لبنان يصعب تخيّل وجودها في بلدان كثيرة غيره.
فأن ينتقل الناس في غضون ساعات من هاجس متابعة مجريات الأزمة النووية الإيرانية وتعقيداتها الإقليمية والدولية وانعكاساتها اللبنانية والسورية والعراقية والفلسطينية (والصينية أحياناً) الى الهوس بنتائج انتخابات المخاتير في أحياء الأشرفية وزحلة وجب جنين وبعلبك (وقبلها جبيل ودير القمر والحدث..)، فالأمر مدعاة تفكّر في قدرة تكيّفهم العالية وسرعة "الركلجة" الجماعية عاطفياً وذهنياً عندهم.
وإذا أضفنا الى ذلك، تفنّنهم في التعليق على المجريات والنتائج وتقليب السيناريوهات وتبنّي النظريّات وتنقيح المعلومات والأرقام ودمجها بالتمنيات وتقديم المسائل جميعها وكأن كل راوٍ وصحبه شركاء في صنعها – إن في البيت الأبيض أو في مجلس الأمن أو في أروقة الحرس الثوري أو في مطابخ المخترة وعمادة العائلات – تصبح المفارفات استثناء وطنياً لا شراكة مع أحد خارج الحدود فيه!
ويمكن بالطبع تفسير ذلك جزئياً وردّه الى مجموعة مسبّبات. منها صغر حجم البلد ووجود أكثر من ثلثي سكانه في 6 أو 7 مدن كبرى مع استمرار ارتباط معظمهم بقراهم الأصلية وأماكن قيدهم وانتخابهم. ومنها حدّة الانقسامات فيه وعاموديّتها التي تهمّش الطبقات ومستويات التحصيل العلمي خالقةً تواصلاً طوائفياً يذيب أكثر الحدود. ومنها فائض حيوية شعبي وحراك صحافة وإعلام يؤمنان تغطية للأحداث تثير على الدوام التماثل أو التعارض مع الفاعلين فيها. ومنها أيضاً تعاظم الأهوال من حول لبنان وهيمنة شعور داخله ولدى المتعاطين بشأنه بانكشافه الأمني والسياسي (والاقتصادي بطبيعة الحال) عليها الى حدّ يلغي معنى سيادته الترابية والديبلوماسية، وحتى البلدية...

لكن ثمة أسباباً أخرى تجعل – على الأرجح - علاقة اللبنانيين حميمة الى هذا الحدّ بمستويي السياسة "الماكرو" و"الميكرو" في حدودهما القصوى التي ذكرنا.
أحدها، البحث الدائم عن ضرورة "أخذ موقف" من كل شيء: موقف لا جغرافية إلزامية له، إذ يمكن أن يكون دولياً أو قروياً، شرط أن يبقى صِدامياً، يسمح بالتمترس خلفه لمواجهة آخرين...
وثانيها الإدمان على الصراعات والإثارة: فقد مضى أكثر من نصف قرن على اللبنانيين وهم في علاقة بالسياسة تقوم على القضايا الكبرى وعلى الحروب والتطاحن والمصالح "العظمى"، حتى إذا أتتهم معارك مخاتير أحياء في بلدهم، ارتدّوا إليها بسرعة وعطفوا عليها استفتاءات على المقاومة وعلى الشهداء وعلى العيش المشترك والسلم الأهلي، وتابعوها كما كانوا ليتابعوا التصويت في الأمم المتحدّة على عقوبات أو محاكمات أو محاولات إحياء مفاوضات أو غيرها من شؤون.
هل يُستنتج مما ذُكر شيئٌ؟
ربما. أن معظم اللبنانيين في بحث لا يكلّ عن انتماءات متضاربة وعن أفياء رايات يعلونها في وجوه بعضهم... والمونديال قادم - بأعلامه و"نون الجماعة" التي ستزيّن مناكفاتهم المحيلة الى تملّك بلاد وفِرق ولاعبين لا شأن لأكثريتهم بهم - ليؤكّد الأمر، ولو على نحو محبّب هذه المرة...
زياد ماجد

Tuesday, May 4, 2010

صواريخ ومقتلة

الى جانب الانتخابات البلدية والاختيارية وما عبّرت عنه من مفارقات في التحالفات ومن تداخل عائلي طائفي مدني يشبه المجتمع اللبناني بتناقضاته وإيجابياته وسلبياته، برزت في الأسبوع المنصرم قضيتان في المشهدين السياسي والإعلامي. هنا بعض الملاحظات حولهما.
"أزمة الصواريخ": إن كان يمكن فهم أسباب الاتهامات الاسرائيلية بعبور صواريخ "سكود" الحدود اللبنانية ووصولها الى حزب الله (لتحويل الأنظار الدولية عن فلسطين حيث الإدانة للسياسات الإسرائيلية تتصاعد وجعل هذه الانظار تتركّز على لبنان، أو لمواكبة الضغط الدولي على إيران بضغط على حليفيها اللبناني والسوري، أو حتى للتحريض ضد حزب الله كبديل عن انتفاء قدرة التأثير في التحريض ضد طهران - الذي لا تريد واشنطن وعواصم أوروبا دوراً أساسياً لإسرائيل فيه)، فما لا يمكن فهمه هو عدم نفي حزب الله لوصول الصواريخ إليه واكتفاؤه بالقول إنه غير معنيّ بالردّ على الاتهامات رفضاً لها أو تأكيداً. ذلك أن نفي الحزب يمنع إسرائيل من استغلال الموضوع للتهرّب من مساءلتها في شأن الاستيطان وتكثيفه في القدس الشرقية، ويحمي الساحة اللبنانية من تجاذبات دولية جديدة حولها. ونفيه - وهو المشارك في الحكم - يسهّل مهمة المسؤولين في اتّصالاتهم الخارجية لتأمين الدعم الدولي للبنان في مواجهة التهديدات. أما إبقاء الالتباس الراهن، فتذاكٍ في غير محلّه ولا يفيد إلا إسرائيل ومزاعمها، لأنه يتيح لها الاستمرار بحملتها، ويناقض الموقف الرسمي اللبناني، ولا يؤدّي في أي حال الى الردع الاستراتيجي الذي يقول به الحزب طالما أن السكود أو غيرها من الصواريخ إذ تُستخدم كذريعة من تل أبيب لضربة محتملة، فهي إذن غير رادعة، أو غير رادعة كفاية...
مقتلة كترمايا: يتخطى الانتقام الجماعي من المتّهم بارتكاب الجريمة المروّعة بحقّ جدّين وحفيدتيهما في بلدة كترمايا حدود الوحشية وانفلات الغرائز والاستسلام الى طقس انفعالي يرى في الثأر من قاتل مفترض عدالةً وفي التشنيع بجثّته عبرةً، ليلامس حدّ الارتداد ليس عن حكم القانون وسيادته فحسب، بل عن فكرة التعاقد الاجتماعي وعن فلسفة الدولة ومبرّرات قيامها أيضاً
فأن يشارك بعض رجال بلدة في ضرب مجرم وطعنه، ثم أن يلاحقوه الى مستشفى ليجهزوا عليه ويعرضوا جثّته المشوّهة على سطح سيارة قبل أن يعلّقوه على عامود في ساحة البلدة وسط زغاريد نسوة، فالأمر يبدو عودة الى قرون سحيقة لا مكان لرمزية سلطة فيها ولا محلّ لقضاء ولأخلاق، ولا رابط لها بزمن تشريع وتحقيق ومحاكمة ولا بقيم يُفترض بدولة أن تعزّزها وتتعزّز بها.
والأمر إن وُضع في سياق سياسي لبناني أعمّ، أظهر عمق الحاجة الى "الدولة" كفكرة وكمؤسسة، وأظهر خطورة تنامي الشعور بغيابها وباستسهال التطاول عليها وتهميشها في قضايا اختصاصها وفي جوهر وجودها: الأمن وحفظ النظام وتطبيق القانون ورعاية المصلحة العامة.
... المشترك بين القضيّتين إذن، قضية الصواريخ "الاستراتيجية" وقضية المقتلة "المحلية"، يدور حول "الدولة". فهل نملّ بعد ذلك من ذكرها كلّ ما أردنا البحث في مشكلة أو عرض هشاشة أو نقاش أولويّة؟
زياد ماجد