Tuesday, February 16, 2010

عن 14 شباط 2010



لم يكن 14 شباط هذا العام شبيهاً تماماً بالمحطات السنوية التي سبقته.
فبعيداً عن البروباغاندا والبروباغاندا المضادة حول الحشد، وهو في أحسن الأحوال أقلّ مما كان عليه في السنوات السابقة، وأكثر مما يفترض به أن يكون بعد التطوّرات السياسية الأخيرة وبعد شعور كثر بانتفاء معنى الاستنفار الشعبي طالما أن الدينامية التوافقية داخل النادي السياسي هي الحاكمة... وبعيداً عن الشعارات التعبوية والتحذيرية، أو تلك المستخفّة بما جرى وكأنه مسألة عابرة لا دلالات لها، يمكن لمراقب أن يسجّل عدداً من الملاحظات السياسية.


مثّل 14 شباط 2010 استعادة لبعض معاني انتخابات 2009 معطوفة على ما تلاها من تراجع.
- فهو أكّد مرة جديدة القدرة التعبوية الكبيرة لتيار المستقبل، وهي القدرة التي كانت قد أوصلت سعد الحريري الى زعامة غير مسبوقة في الشارع السني، كرّستها الانتخابات النيابية وأفضت به نتيجتها الى رئاسة الحكومة.
- وهو عاد وظهّر التقدّم الشعبي لمسيحيي 14 آذار، وبخاصة للقوات اللبنانية. لكنه كرّر تبيان تعذّر صرف التقدّم هذا سياسياً في المؤسسات أو تحويله تأثيراً حاسماً في السياق الوطني، تماماً كما جرى بعد الانتخابات الماضية مع البدء بمفاوضات تشكيل الحكومة (حين استعاد ميشال عون سياسياً ما كان قد خسره انتخابياً).
- وهو جسّد القدرة الجنبلاطية على استيعاب الوضع الدرزي وتململه من مستجدّاته السياسية. فلم يكن الحضور من الجبل والشوف وراشيا وحاصبيا كما كان في السنوات الفائتة، رغم أن المشاعر على الأرجح لم تتبدّل. وزيارة جنبلاط ضريح الرئيس الحريري، ثم انتقاله الى الضاحية الجنوبية للقاء السيد نصر الله بيّنا في يوم الحشد نفسه الفارق بين مستويين من التعاطي الجنبلاطي مع المرحلة الراهنة.
- وهو أكّد أن الحضور "المدني" من خارج الماكينات الكبرى انطلاقاً من موقف "الضد" (ضد النظام السوري وحلفائه اللبنانيين – حزب الله والتيار العوني وسواهما) أكثر منه من موقف "المع" (مع قيادات 14 آذار)، استمرّ في سلوك يشبه سلوك الانتخابات الطلابية والنقابية الأخيرة التي كانت تسابق المصالحات وتوزيع المناصب الوزارية (ولو على نحو أكثر خجلاً هذه المرة)...
ترجم 14 شباط 2010 ما يمكن تسميته بالتعبوية العاطفية.
ففي كلّ الظروف التي تلد تجمّعات شعبية ضخمة، تظهر مجموعة عناصر تنسج المشترك بين الناس.
- منها الانفعال الجماعي نتيجة الظروف الولّادة للحشد وما تسبّبت به من آلام ثم صنعته من آمال.
– ومنها الذاكرة المكانية والطقوسية التي يتقاسمها المجتمعون، إذ صارت ساحة الشهداء هوية سياسية لهم وصارت زواياها والمسالك المفضية إليها دروباً يسلكونها سنوياً بطقوس لا تتغيّر: رفع العلم والشعار ووضع الفولار وإشهار رغبة التحدّي والتآخي مع الآلاف من الوافدين، والتلهّف لمشاهدة بحرهم في طور التكوّن ثم الوقوف على صورته مساء للاحتفاء به وبطوفانه.
– ومنها كذلك الشعور بأمان الكثرة. تلك الكثرة التي تمدّ الفرد بالقوة وبرغبة الاستمرار، والتي تعزّز عنده اليقين السياسي وتمنع عنه التردّد أو القلق نتيجة ما يمكن تطارحه من أسئلة حول جدوى التزامه وصوابيّته.
– ومنها أخيراً التمسّك بفكرة متّصلة بالوفاء للدم، برفض نسيان التضحية التي افتدى من خلالها المضحّي الجمعَ المحتشد، بتذكّره وبالانتصار له.
على أن 14 شباط 2010 عبّر في مفارقة سياسية صارخة، بعكس ما يردّده البعض حول كونه إنذاراً شعبياً للأكثرية النيابية لوقف سياسة التنازل، وبعكس نوايا معظم من نزل (وتحديداً أولئك الوافدين متسلّحين "بالضد")، عن تغطية شعبية "لسياسة التنازل" هذه، أو على نحو أدقّ، لما تمّ منها حتى الآن، ولو على نحو غير مباشر.
ف14 شباط 2010 قطع سياسياً مع ما سبقه في ما خصّ التعبئة ضد النظام السوري، واستبدل ذلك بالحديث عن العلاقات الندّية والاحترام المتبادل والالتفاف حول رئيس الحكومة الداخل الى المصالحات مع دمشق من "النافذة السعودية". وهذا كان متوَقَّعاً. كما أنه قطع سياسياً مع "أقلمة" النزاع اللبناني، بذريعة المعادلات العربية الجديدة، جاعلاً مسألة بحجم مسألة سلاح حزب الله داخلية لبنانية يتحمّل الحزب مسؤوليتها، وهو المتلحّف في شأنها بثلث ضامن يقيه من أي تصويت حاسم بشأنها.

الأبعد دلالة من كل ذلك، هو أن 14 شباط 2010 أظهر، إن وُضعت المشاعر والحدّة في اختيار التعابير وأساليب الكلام جانباً، أن الفوارق الجوهرية صارت شبه متلاشية بين مواقف الحريري وجنبلاط السياسية. ففتح صفحة جديدة مع نظام دمشق مشترك بينهما، وكذلك مسار التسوية الداخلية، ولو بنكهتين، واحدة "عروبية" تبتعد عن "القُطرية" وبعض متطلّباتها والثانية "لبنانية أولاً" تصرّ على البقاء في تواصل مع شركاء مسيحيين.

وكل هذا يعني في ما يعنيه أن المرحلة المقبلة ستكون من جديد مرحلة ستاتوكو داخلية بانتظار التطورات الخارجية...
زياد ماجد

Monday, February 8, 2010

الرئيس السوري والنظام اللبناني

يصعب فهم الجوانب الدستورية أو المؤسساتية أو حتى التطبيقية للنظام السياسي اللبناني التي يرى الرئيس السوري ضرورة تغييرها تجنّباً لاندلاع حرب أهلية في لبنان لا تحتاج نيرانها لأكثر من أيام لتشتعل، على ما قال في مقابلته مع سيمور هيرش في مجلة نيويوركر


فإن كان الضروري تغييره بنظر الرئيس الأسد هو كل ما يتّصل بالديمقراطية التوافقية التي يقوم على أساسها نظام الحكم في لبنان، فالمسألة تحتاج لنقاش مستفيض حول البدائل المتاحة وحول تجارب المحيط العربي مع هذه البدائل ومؤدّياتها.
وإن كان المقصود هو السمة الطائفية للنظام وتجلّياتها الثقافية والمسلكية، فالأمر يحتاج أيضاً لبحث عن سبل التعاقد الوطني وشروطه وعمّا إذا كان إشهار الطائفية من خلال توزيع المناصب أسوأ أم ممارستها من خلال الاستئثار بالحكم وتغليف هذا الاستئثار بشعارات العلمنة والمواطنة.
وإن كان المطلوب إعادة النظر فيه هو الطابع المدني للسلطة السياسية في لبنان، فمن المفيد التقصّي عن الخيارات الأخرى المطروحة، العسكريتارية أو الثيوقراطية أو العائلية، التي يمكن تقييمها إذ هي موجودة منذ عقود على امتداد خريطة المنطقة.
أما إن كان تغيير القوانين التي تتيح الحريات والتعدّد والتنوّع هو المعنيّ بالقول الرئاسي السوري، فربما المقارنة مع نظم الطوارئ والمحاكم العسكرية تفيد للإضاءة على التبعات السياسية والاقتصادية والثقافية (والصحافية) للنموذجين، وأيّهما واجبٌ تغييره.

والحقيقة، بمعزل عمّا قاله الرئيس الأسد وما أدلى به بعض من تجرّأ من سياسيين لبنانيين على الردّ، هي أن النظام اللبناني هو فعلاً نظام مأزوم ويصعب استمرار الرهان على قدرته على إدارة الأوضاع في ظلّ التبدّلات الدائمة في موازين القوى الديموغرافية والسياسية والاستراتيجية للجماعات الطائفية، وفي ظل إصرار كل جماعة معنية بالتبدّل على ترجمة المتغيّرات داخل النظام والحصص في مؤسساته
كما أنه عاجز عن التطوّر حالياً في ظل قدرة أحد الأطراف على تهميش أكثر آلياته والعمل على فرض توجّهات وتدابير على اللبنانيين جميعاً، لامتلاك هذا الطرف الأسلحة وقرارات الحرب والسلم المتأتية منها.
لكن تشخيص المواجع في النظام والبحث في سبل إصلاحه التي لا تسبّب أزمات جديدة شيء، والحديث عن التغيير والانقلاب على القائم شيء آخر. فقد علّمتنا التجارب حتى الآن أن لا بدائل جذرية تبدو ممكنة في ظل هشاشة الإجماعات الوطنية بين اللبنانيين، وفي ظل التداخل بين الوضع اللبناني الداخلي وبين أوضاع المحيط الإقليمي وسعي أطراف هذا المحيط الى اعتماد لبنان ساحة رسائل أمنية وسياسية...
على أن باب القصيد في قول الرئيس الأسد قد يكون أكثر بساطة ومباشرة من كل ما ذُكر: جعل اللبنانيين يعيشون ما يعيشه السوريون منذ أوائل الستينات.
ذلك أنه بعد الفشل في سياسة الضمّ والابتلاع ثم العودة المظفّرة من خلال الانتخابات النيابية، صار المطلوب اليوم إرسال إشارات تتذرّع بالحرص على العلاقات المتجدّدة بين البلدين بعد "حفلة المصالحات" لتوجيه النقد للنظام اللبناني (صحيفة "تشرين" من فترة، والتصريح الرئاسي بالأمس) والمطالبة بتغييره ليس لما فيه من مساوئ، بل تحديداً لما فيه من حسنات، والحرية أوّلها، فيصبح حينها أكثر شبهاً بنظام البعث، وتكتمل إذ ذاك الأخوّة بين البلدين.
واكتمالها على هذا الأساس يعني أن تستكين السياسة في لبنان لصالح "الأمن" وأجهزته، وتتلاشى منابر التعبير المستقلّ، وتتنهي احتمالات انتقال "إرهاصات" التحرّر بالعدوى، في زمن الفضائيات والإنترنت والفايسبوك والتجارة والعمّال الوافدين وغيرها مما تتطلّب مراقبته وقمعه جهوداً يحبّذ الإستبداد توفيرها لأمور أخرى ولأوقات أكثر شدّة...
أما إن تعذّر ذلك، فلا بأس حينها بالقول إن الحرب يمكن أن تندلع (بسبب الحرّيات) بأي لحظة، ليحلو الحديث من بعد في الاستقرار والتباهي بشروطه...
زياد ماجد

Saturday, February 6, 2010

بؤس يسارَين

يبدو اليسار اللبناني في مشهديه، الشيوعي – القومي من جهة والديمقراطي الوسطي من جهة ثانية – في حالة إفلاس لم يسبق أن شهدها من قبل.
فبين يسار يختصر السياسة اللبنانية بهجاء الطائفية والطوائف (وكأنها مخلوقات معزولة وغريبة عن لبنان وتاريخه)، ويقفز الى الوضع الإقليمي فيختزل شجون المنطقة ومآسيها بجدار تبنيه مصر على حدود غزة (وهو بأي حال جدار عار لكنه ليس سبب التيه الفلسطيني ولا البؤس العربي)، ثم ينطلق الى الوضع العالمي فلا يرى في كل ما يجري في القارات الخمس سوى مكائد أميركية (من هايتي الى دارفور فاليمن)، وبين يسار يكاد بالمقابل يخجل من المجاهرة بالعلمنة مخترعاً مصطلحات عجائبية من نوع "الدولة الطبيعية"، ويسمّي أنظمة عربية مهترئة "اعتدالاً"، ثم يغيب عن باله أن ثمة أموراً في العالم وعلاقاته الدولية ومصالح الأطراف فيه تدور بمعزل عن لبنان وسيادته، بين هذين اليسارَين يضيع معنى اليسار ويختفي دوره. والدور هذا، في بلاد مثل بلادنا، أخلاقي ورمزي إضافة الى كونه سياسياً.


في حالة اليسار الأول، الذي بلغت الصفاقة ببعض أطرافه حدّ تكريم دكتاتور بائد هو صدّام حسين، صار التماهي مع العديد من التيارات (التي سمّاها مرّة ظلامية) بحجة "الممانعة" تماهياً لا تعكّره سوى مسلكيّات فردية خاصة بالمشرب والمأكل والملبس. بهذا، يصبح الانتماء الى معسكر يجمع الطالبان والبعث (ببقاياه العراقية وبحكمه السوري) وحزب الله وحماس ونظامي أحمدي نجاد وعمر البشير – مع بعض الزينة التشافيزية – انتماء طبيعياً لكون المقياس مناهضة أميركا فعلاً أو لفظاً (حتى ولو أدمت ممارسات المناهضة هذه شعوباً بحالها). وإن عُطف الموقف المذكور، على تسخيف اليسار عينه للبنان واستقلاله وشتمه لطائفيته، صارت الفضيحة أعظم، إذ أن الطائفية في لبنان - على قباحاتها ومساوئها - أقل فتكاً بالمجتمع منها في معظم الدول المتعاطَف معها، ناهيك بأن من يناصر تيارات ليست طائفية فحسب بل ودينية أيضاً يُستغرب بعد ذلك هوسه بالطوائف

أما في حالة اليسار الثاني، فبعد صعود ومشاركة فاعلة في انتفاضة الاستقلال عام 2005، صار الصمت والعجز عن التحليل واتخاذ المواقف والخوض في المحاججات سمة رئيسية تخرقها بين شهر وآخر بيانات وتصريحات يخالها القارئ مسودّات مواضيع إنشاء في صفوف تكميلية، حيث بعض الشعارات والعموميات حول الحرية والاستقرار والسلم والعدل تُتَوّج بعبارات من نوع "بناء الدولة"، وكأن البناء هذا نشاط مهني ونقابي أو جائزة يُكافأ عليها من ينادي بها أكثر من غيره. وهكذا، يغيب المنطق السياسي، ويتخبّط ما يصدر من مواقف متفرقة بالتناقضات، وبالعجز عن بلورة قراءة علمية لأزمة النظام والدولة والمجتمع كما للأحداث والظروف، محلية كانت أو خارجية.

هل هذا يعني أن اليسار فقد مبرّر وجوده في لبنان؟
لا نعتقد ذلك. فالفكر الذي أنتج أدوات معرفية تشرّح الواقع وتحلّله، والموقف الأخلاقي المحصّن للسياسة، والمزاوج بين فهم الواقع وحيويّاته والتوق الى تغييره من دون أوهام أو مبالغات، والأهم من ذلك، الدفاع عن منطق لا يخشى الابتزاز ولا يستسلم للسهولة ولازدواجية المعايير، جميعها ما زالت مسائل يحتاج إليها الاجتماع السياسي اللبناني، وأكثر من أي وقت مضى. وإن أضفنا إليها ضرورة السعي في لبنان اليوم الى خلق ديناميات مواطنية متحرّرة من الأثقال المذهبية والطائفية، والى تحقيق تنمية اجتماعية تقلّص الفوارق الطبقية والمناطقية، والى سن تشريعات تلغي التمييز ضد المرأة وتمنح الحقوق المدنية للاجئين الفلسطينيين وتجرّم العنصرية ضد العمّال السوريّين والأجانب والمهمّشين، وقعنا على الحاجة التي لم تنتفِ لبناء يسار جديد يعيد الى اليسار دوره وبريقه...
زياد ماجد

Tuesday, February 2, 2010

هل قلتم إصلاحات؟


خاض أكثر أطراف الطبقة السياسية اللبنانية في الأيام الماضية في نقاشات تمحور ظاهرها حول عناوين إصلاحية، في وقت كان جلياً انبعاثها من حسابات طائفية ومذهبية ولو من منطلقات مختلفة.
ولعلّ بعض التدقيق في عدد من هذه العناوين وفي ظروف طرحها يفيد لتبيان عمق الانقسامات وصعوبة مقاربة المسائل على نحو مجرّد من التشنّج وفقدان الثقة السائدين.

عن إلغاء الطائفية السياسية وسن ال18 والجنسية اللبنانية
أن يُطلِق البحث في إلغاء الطائفية السياسية طرفٌ يستمدّ مشروعيّته السياسية والدستورية منها، وأن يناصره في ذلك حزب ديني يرى في ولاية الفقيه عقيدة ولا يقبل بغير الثلث الضامن في السلطة التنفيذية، فالأمر مدعاة تأمّل في أهداف البحث وفي توقيت طرحه.
وأن يَردّ على الطارح وحلفائه أطرافٌ يبدو هاجسهم الوحيد التمسّك بالطائفية لأسباب ديموغرافية تفتقر الى المنطق الديمقراطي رغم استنجادهم به في أوقات أخرى رداً على مقولات التوافقية (التي يتذكرون لاحقاً أن لا غنى لهم عنها)، فالمسألة تصبح رداً طائفياً على طرح طائفي لإلغاء الطائفية!
ولكي لا ينتهي المشهد على تعادل، يعاجل دعاة الإلغاء خصومهم بالقول: حسناً، تصرّون على المناصفة الشكلية (بعد أن فرضنا عليكم بالسلاح ما يشبه المثالثة)، فليكن، هاكم إذن سن ال18 عمراً للاقتراع!
ولمّا كان سن ال18 هو فعلاً وبداهة السن الواجب اعتماده للانتخاب طالما أنه سنّ الرشد القانوني المتيح عقوبات ومحاكمات وإجازات قيادة سيارات وفتح حسابات مصرفية ومباشرة أعمال وأنشطة اقتصادية وانتساب الى الجيش والأجهزة الأمنية، فإن استغراب تحويله مادة سجالية، لا يلبث أن يختفي حين تبان أسبابه الطائفية. فالاستنصار التهديدي بمن هم بين ال18 وال21 من العمر لتعميق الفجوة الديموغرافية الواسعة أصلاً بين المسلمين والمسيحيين، يتحوّل في الردود الرافضة (لأسباب رقميّة جليّة) الى اجتهادات لا معنى لها حول ثقافة من هم في سن ال18 وحول سلوكياتهم ومخاطرها، أو يفتح الباب أمام مطلب آخر محقّ لكنه ليس دحضاً لمطلب تخفيض العمر الانتخابي، ولا ينبغي أن يبدو نكاية: مطلب اقتراع المغتربين في أماكن اغترابهم. ذلك أن لا سلوكيات من هم في عمر ال18 هي المشكلة (ولا دراسات حولها وحول تبعاتها الانتخابية أصلاً، وحتى لو افترضناها إشكالية، فهذا لا يغيّر من حق أصحابها الديمقراطي)، ولا شأن المغتربين مرتبط بسنّ الرشد أو تداعيات اعتماده. فشأن هؤلاء إداري لوجستي ينبغي تنظيمه في السفارات اللبنانية، وينبغي تقديم مشروع قانون لإقراره بأسرع وقت.
ثم هناك من يذهب في ردّه على الابتزاز العددي أبعد من ذلك. إذ يطالب بمنح الجنسية اللبنانية لمن هاجر (من متصرفية جبل لبنان) في مطالع القرن الماضي. وبذلك، يقفز في ردّه "الطائفي" نحو موضوع ينبغي أن يُبحث أيضاً، ولكن من دون علاقة سببية بأي شأن عمريّ، ويجب أن توضع له معاييره وضوابطه وشروطه.
وفي أي حال، فإن المعالجة الضرورية لقانون الجنسية في لبنان، يجب أن تبدأ – وقبل الوصول المفيد الى ريو دي جينيرو ومكسيكو وماساشوستس- بإقرار حق النساء اللبنانيات المتزوجات من أجانب بمنح الجنسية لعائلاتهن اعترافاً بمواطنيتهن وبمساواتهن باللبنانيين الذكور.
عن الانتخابات البلدية
ما يسري على العناوين السابقة، يسري أيضاً على العناوين المطروحة اليوم لتحسين الأداء الانتخابي البلدي.
فالقضايا الثلاث الأكثر أهمية لإصلاح قانون الانتخابات المحلية جرى تجنّبها أو إسقاطها في المداولات.
فلا الاقتراع مكان القيد أو مكان السكن جرى التطرّق إليه، ولا أسباب تقسيم المدن وفقاً لدوائر عقارية كما هي الحال في المدن الكبرى في العالم جرى عرضها والردّ عليها، بل استُبدِلت بزجل حول وحدة بيروت أو تقسيمها وفق حدود طائفية (وهي قُسّمت كذلك في الانتخابات النيابية منذ أشهر!)، ولا الاقتراع النسبي بما هو مدخل تحسين مستوى التمثيل جرى القول فيه لكل المجالس البلدية.
لحسن الحظ أن الكوتا النسائية اعتُمدت (ولو بنسبة تقلّ عن ال30 في المئة الواجب احترامها وفقاً للاتفاقيات الدولية). فلولا هذا الاعتماد، ولولا الجدل حول انتخاب رئيس البلدية ونائبه مباشرة، لما كان النقاش دار حول أي موضوع مستقل عن التمثيل الطائفي وما يفترضه من تعاط مع وضع العاصمة.
*****
في ختام هذه العجالة، لا بد من القول إنه رغم المخاوف الطائفية التي لا يمكن نفيها – وبعضها مبرّر في ظل وجود طائفة مسلّحة - ورغم أن الطائفية ذاتها مؤسسة كبرى في لبنان قوامها التمثيل السياسي والإدارات والخدمات والهيئات الدينية والتعليم الخاص وبعض البنى الاجتماعية ويصعب بالتالي إسقاطها من الحساب عند أي مقاربة سياسية، ورغم أن الخلل الديموغرافي يطرح تحدّيات عديدة على صيغ الحكم والمشاركة في مؤسساته يجب التصدّي لها، إلا أنه لا يمكن للمعنيين بالإصلاح الجدّي الاستسلام للديماغوجية واستغلال الشعارات المطروحة، ثم الاكتفاء برفضها (ولو كانت سليمة) والبحث عن ذرائع تدفع شرّ طارحيها. فالتأكيد عليها وتبنّيها ضمن ورشة إصلاحية شاملة لا يقلّ أهمّية عن رفض جعلها أدوات ابتزاز وتهويل وتهديد يستخدمها طرف ضد آخر...
زياد ماجد