Tuesday, August 25, 2009

العودة الى الأب


يسجّل النظام السوري منذ فترة محاولة عودة في سياسته الخارجية الى أسلوبه القديم والى بحثه عن أدوار متوازية كان يلعبها على مدى ثلاثة عقود خلت.
فبعد عامين عصيبين عليه في ال2005 وال2006 إثر اغتيال الرئيس الحريري واضطراره لسحب جيشه من لبنان وبدء التحقيق الدولي عمله، تنفّس نظام دمشق الصعداء تدريجياً ابتداء من العام 2007 مستفيداً من تفاقم المأزق الاميركي في العراق وحاجة الأميركيين الى تنسيق حدودي معه، ومن الرغبة الاسرائيلية في استقراره خوفاً من البديل المجهول على حدود الكيان العبري الشمالية، ومن الدعم التركي له الهادف الى إبقاء أكراد سوريا بعيدين عن أكراد العراق والمحافظة على جار جنوبي موالٍ ومريح. كما استفاد من حربي تموز 2006 في الجنوب اللبناني ثم كانون 2009 في غزة وما رافقهما وتلاهما من ارتباك دول ما يسمّى بمحور الإعتدال العربي ومصالحة بعضها له، ومن الانفتاح الأوروبي عليه والفرنسي تحديداً مع وصول ساركوزي، ثم من نهاية ولاية جورج بوش وعودة السياسة الأميركية الى البراغماتية بعد مرحلة إيديولوجية طويلة، فقرّر بدوره العودة الى أسلوب العمل الذي كان الرئيس الأسد الأب كرّسه طيلة سنوات حكمه.
ما هو هذا الأسلوب؟
يمكن تعريفه بوصفه تموضعات يسعى النظام السوري من خلالها الى إيجاد الحاجة الدولية لدور له في التوّسط لحلحلة مشاكل إقليمية (يتسبّب هو نفسه بخلق بعضها) بهدف قبض ثمن الحلحلة أو مقايضة الثمن المذكور بأمور أخرى تضمن للنظام إكسيره.
وللمراقب أن يتذكّر أن الأسد الأب كان صديقاً للاتحاد السوفياتي وساعياً في نفس الوقت الى فتح كل الخطوط مع الأميركيين، ثم حليفاً رئيسياً لإيران في حربها مع العراق وركناً من أركان "الثلاثي العربي" (الذي ضمّه الى السعودية ومصر، بعد مروره في "جبهة الصمود والتصدي"). وكان نظامه مساهماً في نشر الفوضى في لبنان ووسيطاً لتهدئة الأمور فيه، ومسهّلاً لخطف الأجانب في بيروت ثم مرسالاً بين دولهم والخاطفين.
واليوم، بعد ما يبدو انتهاءً لسنوات عزلة بدأت أميركية عام 2003 ثم صارت دولية وخليجية ومصرية بعد عام 2005، عاد النظام الى قديمه.
يتيح انتخاب رئيس جمهورية في لبنان بعد تعطيله الأمر لأشهر طويلة مقابل التطبيع معه، يدّعي القدرة على ضبط حزب الله وحماس واصطحابهما الى طاولة المفاوضات ويؤّمن الدعم اللوجستي والعسكري لهما، يترك الغرب يراهن على إمكانية فك ارتباطه بإيران شرط ضمان مستقبل حكمه ثم يؤكد ثبات تحالفه مع الجمهورية الإسلامية وقدرته على التأثير إيجاباً فيها وإفادة الغرب نفسه من تحالفه هذا (ولعلّ وساطته للإفراج عن الموظفة في السفارة الفرنسية في طهران والمدرّسة الفرنسية في إصفهان رسالة أراد توجيهها في هذا الاتجاه وحصل على شكر فرنسي حار لقاءها!)
والأهم، يدعو لحلف إيراني تركي سوري عراقي، ولا يمانع من حلف مواز مع السعودية ودول الخليج.
لكن هل سينجح هذه المرة في استعادة قديمه وتجديده؟ وهل ثمة حاجة اليوم الى "قطر ثانية" في المنطقة؟ وهل الخدمات "الصغيرة" (حتى الآن) تعني الدول الكبرى؟
قد يكون الجواب عن السؤال برسم ما سيجري في الأشهر القادمة بين إيران وإسرائيل والغرب في الشأن النووي وارتدادات ذلك عربياً ودولياً.
في الإنتظار، يدفع الشعب السوري ثمن ارتياح النظام المؤقت الى وضعه ونسيان عواصم "حقوق الإنسان" للسجناء السياسيين القابعين في زنزاناته.
ولاحقاً قد ندفع نحن اللبنانيين الثمن، إن لم تتشكّل السلطات السياسية وتتحصّن المؤسسات الأمنية. ذلك أننا اعتدنا أن يُصرف عندنا كل فائض في "نجاح" النظام السوري، كما كل فشل ذريع...

زياد ماجد

Tuesday, August 18, 2009

إمارة غزة

يصعب توصيف البلاء الذي أصاب قطاع غزة منذ سنوات

حصار إسرائيلي، وإقتتال بين حركتي فتح وحماس حسمته الأخيرة ففصلت القطاع عن الضفة وعن "السلطة" الفلسطينية، ومقاطعة دولية وعزل اقتصادي وسياسي، ثم حرب إسرائيلية مدمّرة، فاشتباكات داخلية وقمع وفرض لقوانين ظلامية، واليوم نزاعات متنقّلة وتصفية دموية لتنظيم يُقال إنه سلفي جهادي أعلن "الإمارة" ورفض التسويات.

ويصعب النظر الى ما يجري في غزة خارج منطق النزاعات الأهلية المفتوحة على احتمالات الانهيار الكامل.

فأن تُهاجَم عائلات ويُنكَّل بشبّانها بحجة انتماء سياسي متّهم بالسعي لتهديد "الأمن"، وأن تُطلَق النيران خلال الحرب الإسرائيلية وبعدها من "مسلّحين" على مواطنين لتأديبهم بحجة امتلاكهم السلاح، ثم أن يُبحث في إلزامية "الحجاب" وفي سبل نشر "الفضيلة" وفرض "مقتضياتها" على الناس ومعاقبة "المسيئين" لها منهم، تبدو الأحوال الغزاوية سائرة نحو سيناريوهات مرعبة لا تشكّل المعارك الأخيرة بين حماس وجند أنصار الله سوى أحد تجلياتها.

ذلك أنه لا قعر للانهيار حين يعتبر المسؤولون عنه والساقطون مع ركامه أنهم فوق القانون إذ يطبّقون الشرع، وأنهم "نخبة مصطفاة" يمثّلون الحق ولا يحتاجون للتفاوض مع أحد على شراكة وتعاقد في تدبير شؤون قضية أو أرض أو بشر.

كما أنه لا قعر للإنهيار حين يصبح التعاطي مع السياسة والاقتصاد مستنداً الى شعارات من عالم الماورائيات لا حسابات فيها ولا دراسات جدوى ولا تحديداً واضحاً للمصالح والتطلّعات.

*****

منذ سنتين ونيّف، قال الشاعر محمود درويش تعليقاً على ما جرى ويجري في غزة: "... ما دمنا لا نعرف الفرق بين الجامع والجامعة، لأنهما من جذر لغوي واحد، فما حاجتنا للدولة… ما دامت هي والأيام إلى مصير واحد؟..."

لخّص بكلمات معدودة مأساة تغييب العقل وتغليب الغيب على العلم، ومأساة ازدراء الدولة. الدولة التي تحوّلت تفصيلاً لا قيمة له فوق أرض "الوقف" والقتال والموت. والدولة التي لا يظهر في غيابها غير شبح "الصوملة" يحوم جالباً الخراب، والدمار الشامل...

زياد ماجد

Tuesday, August 11, 2009

أربع قضايا لمرحلة جديدة

لا يمكن اعتبار الخروج المتوقّع للنائب وليد جنبلاط من تحالف 14 آذار (بمعزل عن تقييم توقيت الخروج وأسلوبه) سوى نهاية مرحلة. مرحلة كان يفترض في أي حال إنهاؤها بعد الفوز بالانتخابات في 7 حزيران والردّ ديمقراطياً على 7 أيار. إنهاؤها من خلال التأكيد على الشعارات الاستقلالية والاستقرارية التي أنتجت انتصاراً في صناديق الاقتراع، والإعلان عن بدء البحث الجدّي ليس في إعادة تشكيل السلطة التنفيذية فحسب، بل أيضاً وأولاً في أربع قضايا أثبتت السنوات الماضية استحالة القفز فوقها، وصارت تتطلّب مقاربة أبعد من الاصطفاف وفق شعارات تحقّق بعضها بعد نضال وصمود وتضحيات، فيما يرتبط البعض الآخر بالقضايا الأربع التي نقصد.
- القضية الأولى هي تحديد موقع لبنان في المنطقة ودوره فيها وسبل التعبير عن هذا الدور. وفي ذلك ما يؤدّي الى ترجمة مقولات كمثل "العروبة" و"الممانعة" و"الدفاع عن الأمة" أو "لبنان أولاً" و"محور الاعتدال" وغيرها الى خيارات واضحة في السياسة الخارجية وتعهّداتها، بما فيها الحربي، وفي التوجّهات الاقتصادية والقانونية التي تمليها المواقع والأدوار المختلفة. وليُتفّق عندها على ما يمكن اعتباره قواسم مشتركة. فإن تعذّر ذلك، أمكن على الأقل التلاقي حول شكل الانخراط التزاماً بأي موقع، وحول تغليب الديبلوماسية والإعلام على سواهما في هكذا انخراط.
- القضية الثانية هي سيادة الدولة فوق كامل أراضيها وامتلاكها حصرياً قرارات الحرب والسلم، وما يقتضيه الأمر من حوار طويل (وهادئ) مع حزب الله بشأن سلاحه الواجب وضعه تحت أمرة مؤسسات الدولة (التي يشارك أساساً فيها)، وفق المتفق عليه من تحديد لموقع لبنان في المنطقة، أو لشكل انخراطه في "شؤونها".

- القضية الثالثة هي صيغة النظام السياسي التوافقية المعتمدة منذ العام 1943، ومدى قدرتها على الاستمرار في استيعاب التبدّلات وتلبية المطالب المتزايدة للمذاهب والجماعات. وربطاً بذلك، البحث في أي إصلاحات يحتاج إليها النظام في لبنان بعد كل الأزمات التي عصفت به، والتي تداخل فيها الخارج بالداخل على الدوام، فأنتجا قسمات غالباً ما استندت الى خطوط فصل طائفي، استتبعتها إعادة توزيع للسلطة ولأحجام المشاركة فيها بهدف الطمأنة أو الاحتواء أو تغيير التوازنات. وهذا ما شجّع دورياً كل طرف رئيسي على المطالبة بتوسيع مشاركته وتعديل حصصه (وبالتالي حصص الآخرين) إن اعتبر الظروف – خارجية كانت في منطقة لا استقرار فيها، أو داخلية – مؤاتية.
- القضية الرابعة هي المسألة الاجتماعية الاقتصادية، وهي مسألة ضاغطة بعد أن ضاعت على لبنان بإمكاناته الذاتية المحدودة ثلاث فرص للاستفادة من الطفرات النفطية (في العام 1975 مع اندلاع حربه الأهلية، وفي بداية الثمانينات خلال الحرب العراقية الإيرانية، ثم في السنوات الخمس الأخيرة)، وبعد أن تفاقمت مدينونيّته في عالم مأزوم اقتصادياً، وبعد أن تحوّلت الزبائنية في إداراته ومؤسساته الى عنصر كبح لإمكانات التحديث. ويُعطف على ذلك طبعاً موضوع توزيع الدخل وخلق الوظائف والسعي للتنمية المناطقية المتوازنة، تخفيفاً لضغط على الدولة وعلى المواطنين مرشّح للتصاعد ما إن تتقلّص المساعدات والهبات والتحويلات من الدول والهيئات الأجنبية، ومن اللبنانيين المقيمين في الخارج.
يمكن أن نضيف الكثير من القضايا إن أردنا بلورة أجندة إصلاحية لبناء الدولة وتكريس الاستقرار. من قضايا المرأة وحقوق الانسان الى قضايا البيئة والعمران مروراً بكامل ملفات قوانين الانتخاب واللامركزية الإدارية واستقلالية القضاء والتعليم العام... لكن الأمر قد يصير أشبه بالرفاه النظري المُشيّد على واقع متهالك لا نملك سبل تدعيمه، إلا إذا قرّرنا البدء بالحوارات الجادة، خارج المناوشات البليدة والحسابات العقيمة.
زياد ماجد

Tuesday, August 4, 2009

في خطورة التبسيط

لم تحجب المراوحة السياسية الداخلية وما يتخلّلها من تصريحات "مثيرة" للنائب وليد جنبلاط (تستدعي نقاشاً مستفيضاً قد يكون الخوض فيه ضرورياً مع تبلور ملامح التموضع الجديد لرئيس الحزب التقدمي) خطورة بعض المواقف الصادرة عن مسؤولين في حزب الله. ومكمن خطورة المواقف هذه هو في تبسيطها لقضايا سياسية لبنانية وإقليمية ودولية شديدة التعقيد في مرحلة حبلى بالاحتمالات.
في الأسطر التالية، تطرّقٌ لثلاث مقولات تكرّرها المواقف المشار إليها.
- "لسنا بحاجة لضمانات لا لسلاحنا ولا للمحكمة الدولية"
تتناول هذه المقولة مسألتين، لكل منهما شقّان داخلي وخارجي. فالسلاح مشكلة داخلية تعاظمت منذ سنوات وكان 7 أيار أبرز تجلّياتها. وهو كذلك على تماس مع القضايا الخارجية نتيجة القرارين الأمميّين 1559 و1701، ونتيجة العلاقات الإقليمية، وطبعاً نتيجة التهديدات الإسرائيلية واحتمالات حروبها بالمباشر مع إيران أو بالواسطة مع حليف طهران اللبناني. أما المحكمة، فهي أولاً دولية، ولاتهاماتها انعكاسات على مجمل علاقات المعنيين بها. وهي ثانياً لبنانية لكون ما سيصدر عنها ذا انعكاسات مباشرة على الديناميات الداخلية في لبنان، السياسية والقضائية والمذهبية والأهلية.
فكيف يمكن في حال وُضع حزب الله (أو وضع نفسه) في عين العواصف وفي موقع التهديف، إن في قضية السلاح وارتباطاته واحتمالات حروبه أو في شبهات المحكمة واتهاماتها أن تكون الأمور مطمئنة الى هذا الحد، وأن تكون الحاجة للضمانات – الداخلية على الأقل – منتفية؟
يمكن فهم المكابرة أحياناً في الشؤون الصغرى، ويمكن استيعاب الرسائل السياسية لرفع المعنويات أو للردّ على الابتزازات أو للتأكيد على مواقع القوة والشكيمة. لكن ما لا يمكن فهمه أو تبريره هو النظر الى القضايا العظيمة الخطورة بوصفها شؤوناً بسيطة لا حاجة للتحاور أو للتضامن حيالها...
- "تل أبيب مقابل الضاحية والحرب القادمة ستغيّر خارطة المنطقة"
تتوجّه هذه المقولة الى الاسرائيليين والعالم، والى اللبنانيين، وبخاصة القاطنين في الضاحية الجنوبية لبيروت. وتتوجّه أيضاً الى العرب والى السوريين أنفسهم، إذ يصعب اعتبار دمشق خارج خارطة "الشرق الأوسط"... وتهدف الى القول إن معادلة أي حرب مقبلة لن تكون بأقلّ من ضرب تل أبيب، ولن تقف عند الحدود اللبنانية الإسرائيلية، بل ستمسّ كل حدود المنطقة وتوازناتها السياسية. وهذا يتطلّب ليتحقق، تغيير أنظمة وتعديل معاهدات وحدود، وتبديل تحالفات، أو أقلّه إحداث صدمة إقليمية كبرى تترك تداعيات عميقة في المنطقة.
فهل هذا الأمر ممكن في عالم اليوم وعلاقاته وضوابطها؟ وهل هو متاح لحزب محلي أن يغيّر خرائط إقليمية؟ وهل يتطلّع حلفاء الحزب الخارجيين الى هذا التغيير أساساً أم أن في الكلام ما يوحي برسائل غير مباشرة لهم؟
أما معادلة تل أبيب – الضاحية، فتترك باب التأويلات مفتوحاً على معادلات قرى الجنوب والبقاع ومدنهما، مضافة الى معادلات بيروت ولبنان عامة بناسه وطرقاته ومؤسساته وبناه التحتية والفوقية... وهي، حتى ولو هدفت الى رفع مستوى التحدّي لردع الاسرائيليين، لا تكفي للطمأنه بعد أن شهدنا معادلة حيفا – الضاحية منذ ثلاثة أعوام.
كان يمكن القول مثلاً إن النتائج السياسية المترتبة عن أي عدوان لن تكون بأفضل لإسرائيل من نتائج حرب تموز 2006 التي لم تحقّق خلالها حكومة أولمرت أهدافها رغم التدمير والقتل الجماعي (وهما في أي حال ليسا بالتفصيل)! لكن استسهال الكلام يدفع الى "بهورات" لفظية لا تفيد أصحابها. فكيف "بأهلهم" وسائر المحيطين بهم؟

- "لا فارق بين أوباما وبوش وغيرهما من الرؤساء الأميركيين"
تتكرّر هذه العبارة منذ فترة، على شكل لازمة للخطابات المتناولة شؤوناً خارجية. وهي لا تعكس جهلاً بالواقع الأميركي فحسب، بل وتعكس أيضاً مناعة تجاه محاولات فهم السياسات الدولية للقوى العظمى بالمتحرّك فيها والثابت.
فأن يكون التماثل هو الحكم المبرم على بوش الإبن وأوباما، وأن يكون صاحب حربي العراق وأفغانستان الرافض لفترة طويلة التدخل في الموضوع الفلسطيني والمحاط بنخبة من الإيديولوجيين الشديدي الولاء لإسرائيل ولمفاهيم التغيير بالقوة للأنظمة والمجتمعات متماهياً مع خصمه الواعد بالانقلاب على ميراثه، الساعي لمصالحة أوروبا والعالم والمركّز على المسائل الاقتصادية والاجتماعية داخل بلاده، والمحاول دفع إسرائيل الى التفاوض الجدّي مع الفلسطينيين، فالأمر يدعو للعجب.
هل هذا يعني أن لا ثوابت في السياسة الأميركية؟ طبعاً لا. وهل هذا يعني أن أميركا ستتراجع عن دعمها لإسرائيل؟ طبعاً لا ثانيةً. لكن الفارق بين الدعم الإيديولوجي غير المحدود، والدعم التقليدي المرفق بضغوط وسعي للتسويات ليس بسيطاً. أما الفارق بين الأحادية القطبية والتعاون الدولي وما يمكن أن يتيحه من فرص نتيجة التنوّع والتعدد فأقلّ بساطة.
على أن العقول التصنيفية والتعميمية عندنا قادرة، إن قُيّض لها بقلة إدراكها للاختراقات الممكن إحداثها في ظل إدارة براغماتية ونظام يتأثّر بالإعلام و"باللوبيينغ"، على دفع الأميركيين الى الانكفاء من جديد عوض الاختلاف مع الإسرائيليين في لحظة تبدو فيها الكيمياء السياسية (والشخصية) بين أوباما – ميتشل ونتنياهو – ليبرمان شبه مفقودة. فهل هذا ما نريده؟ وهل لا ضرورة لحملات إعلامية ولجهود ديبلوماسية باتجاه الإدارة الأميركية الجديدة وسائر إدارات دول العالم لحثّها على التدخل وممارسة الضغط على الإسرائيليين لإنهاء الاستيطان والانسحاب من الأراضي المحتلة والامتناع عن إقحام المنطقة في حروب جديدة؟
إن واحدة من مآسينا في العلاقة مع العالم، كانت اقتران الضعف العسكري والاقتصادي بالجهل والكسل الديبلوماسيين وبالتسليم على الدوام بتبعات التواطؤ الأميركي الإسرائيلي دون محاولات جدية وعقلانية لمقارعتها. فإذا بالبعض هذه الأيام يعتقد أنه عدّل الميزان العسكري، وهذا يكفيه. المشكلة أنه لم يعدّله فعلاً (أو كفاية) من جهة، وأنه أغرق في اعتناق نظرية المؤامرة وتصنيفاتها السهلة من جهة ثانية. فبات حتى في بعض ما قد يكون عدّل أشدّ ضعفاً وقدرة على التأثير الخارجي، تماماً كما صار بسبب التكبّر ورفض الضمانات أكثر عرضة للعزلة وللنبذ الداخلي...
زياد ماجد