Tuesday, July 21, 2009

عن قضية المرأة وحقّها في منح الجنسية لأولادها

بعيداً عن القضايا السياسية الكبرى التي تشغل الرأي العام، على أهميتها ووجاهتها، وبعيداً عن الهموم الإقليمية وما يُرجّح أن تحمله من مقايضات أو صدامات، قد يكون التطرّق أحياناً في المقالات والكتابات اليومية الى أمور إجتماعية وحقوقية وبيئية (هي أيضاً سياسية) مفيداً للتذكير بأن في لبنان شؤوناً كثيرة يمكن تغييرها أو إصلاحها.
ولعل في القرار الشجاع الذي أصدره القاضي والمشرّع المجتهد جون قزّي في ما خصّ حق إحدى السيدات اللبنانيات في منح الجنسية لأبنائها، ما يفتح الباب للبحث في واحد من هذه الشؤون.
فشأن الجنسية ومنع المرأة من منحها لمن تلد هو واحد من المجالات العديدة التي تعاني فيها النساء اللبنانيات من التمييز، ولو أنه على الأرجح أعمقها دلالة، إذ هو يعكس وعياً تشريعياً لا ينظر الى المرأة بوصفها كاملة المواطنة أو تامة الإنتماء الى وطنها (على نحو يسمح لها بنقل المواطنة والانتماء الى أولادها). وهو بهذا المعنى أحد تجليّات منظومة ثقافية وتشريعية متكاملة تميّز ضد النساء، إن في قوانين الأحوال الشخصية، أو في قانون العقوبات أو في القوانين الراعية للمداخيل والتعويضات الاجتماعية والصحية أو تلك الخاصة بنهاية الخدمة.
يضاف الى ذلك، التمييز ضدها في الميادين السياسية وفي قيادة المؤسسات العامة (والخاصة).
وليس احتلال لبنان المركز 129 من أصل 139 في سجل تمثيل المرأة البرلماني (نسبة النساء في برلمان 2009 هي 3,1 في المئة بعد أن كانت 4,7 في المئة في برلمان 2005)، واحتلاله كذلك أحد المراكز الاخيرة في التمثيل الوزاري (3,3 في المئة في الحكومات الثلاث الأخيرة) سوى تعبير عن عمق الأزمة المجتمعية في ما يخصّ موقع المرأة، رغم التقدم الحاصل على مستويات أخرى ذات صلة بالتحصيل العلمي والرعاية الصحية والحريات الفردية أو المسلكية.

وقد بات من الملحّ اليوم على الإصلاحيين والمتطلّعين الى بناء الدولة الحديثة، اعتبار قضية المرأة قضيتهم، والعمل (نساء ورجالاً) على تطوير الحملات الهادفة – على سبيل المثال - الى:
- إلغاء القوانين المميزة ضدها، ومنحها الحق في إعطاء الجنسية لأولادها ولزوجها.
- اعتماد الكوتا النسائية في الانتخابات والتعيينات الإدارية (وفق توصيات المؤتمرات الدولية في هذا المجال، وبالأخص مؤتمر بكين عام 1995) لتحسين حضور المرأة في المواقع القيادية وتعويد المجتمع على صورتها رائدة ومسؤولة (والإقلاع عن الشعار الباهت "بأن المطلوب ليس زيادة عدد النساء لأنهن نساء، بل المطلوب النوعية"، وكأن السياسيين أو الإداريين الرجال جميعاً من "النوع الخارق"، أو كأن المطلوب من المرأة أن تكون متفوّقة ليُقبل بانخراطها في الشأن العام في حين أن لا ضرورة لأن يكون الرجل أكثر من عادي، أو أقلّ من ذلك في أغلب الأحيان!)
- رفض العنف الذي تتعرّض له أُسَرياً واجتماعياً، وتجريمه قانونياً.
ويمكن بالطبع إضافة العديد من المسائل الأُخرى. لكن ولوجها يتطلّب البدء من مكان ما. ولعل ما ذُكر نقطة انطلاق...
إن الانتصار لحق نصف المجتمع بأن يتساوى مع النصف الآخر هو، الى كونه مدخلاً للتحديث والتنمية الإنسانية والمساواة، والى كونه "بداهة" حقوقية، واحد من المهام المواطنية (السياسية)، ومساهمة في التأسيس لمستقبل تقوم العلاقات فيه على أساس مقدار أعلى من الاحترام والعدالة والتسامح...
زياد ماجد