Wednesday, April 1, 2009

نحن وأوباما وإسرائيل

 تتوضّح منذ أسابيع مقاربات الإدارة الأميركية الجديدة لبعض ملفات السياسة الخارجية
فبعد إطلالات خجولة على الخارج نتيجة التركيز على الداخل وقضاياه المالية والاقتصادية والاجتماعية المأزومة التي سيحافظ بموجبها الرئيس الجديد على تألّقه أو يتراجع رصيده شعبياً (خاصة إن وقع في ارتباكات وتردّد طويلاً بين خيارات اليسار والوسط)، بدأت الإدارة الديمقراطية تبلور اتجاهاتها في التعاطي مع عدد من الملفات:
- ملف العلاقة مع روسيا والتباحث الهادئ في قضايا توسيع الناتو ونشر الدرع الصاروخية والتعاون للحد من الانتشار النووي،
- ملف أفغاتستان وباكستان واعتماد الشدة في الحرب فيهما على القاعدة والطالبان،
- ملف إقفال سجن غوانتانامو، والبحث الذي بدأ بالتزامن مع قرار إقفاله في احتمال الانضمام الى عدد من الاتفاقيات الدولية حول جرائم الحرب والمحكمة الجنائية،
- والأهم من حيث ارتباطه بالوعود الانتخابية، ملف العراق واتخاذ القرار بجدولة الانسحاب العسكري منه.
وفي هذه الملفات جميعاً، تطلّ السياسة الجديدة بإيديولوجيا أقل وباختلافات في النبرة والأسلوب والوسائل عما اعتُمد في الحقبة المنصرمة. وهي إذ تصل الى الملف الفلسطيني الاسرائيلي والى التشابك اللبناني السوري الايراني معه، يبدو اختلافها عن السياسات التي سبقتها أشدّ وضوحاً. وهذا ما تريد الأسطر التالية التوقف عنده. 

فعلى الصعيد اللبناني السوري الأيراني، تتحرّك مواقف الإدارة الجديدة على مسارات ثلاثة:
- خطّ إنهاء القطيعة مع دمشق على مراحل، ومن خلال "دفتر شروط" يتضمّن استمرار تعاونها الأمني في ملف "الإرهاب" عراقياً، وفكّ ارتباطها الحيوي بإيران وتخلّيها بالتالي عن لعب دور العرّاب لحركة حماس ولحزب الله أو الوسيط بينهما وبين إيران،
- خط التأكيد على دعم استقلال لبنان وتأييد المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس الحريري وسائر الجرائم التي ارتبطت بها،
- خطّ الانفتاح على الإيرانيين (بعيداً عن تصنيفات محور الشر السابقة) المرفقة بمشروطية تعاونهم أفغانياً وعراقياً ولبنانياً وفلسطينياً، ووضعهم لمشروعهم النووي تحت الرقابة الدولية.
وبهذا المعنى، يحاول الأميركيون توجيه رسائل على خطّي التواصل الايجابي المقرون بشروط والضغط السياسي الهادف الى تحقيق نفس الشروط. فيأتي حوارهم مع دمشق متلازماً مع دعم المحكمة (وما يعنيه أمرها بالنسبة للنظام السوري ولطمأنة اللبنانيين)، ويأتي توجّههم الجديد نحو طهران مترافقاً مع محاولة تطويقها روسياً (عبر التفاوض مع موسكو حول التعاون النووي معها) وسورياً (من خلال السعي الى إبعاد دمشق عنها).
على أن عطف الملف الفلسطيني الاسرائيلي على هذه المسارات، وهنا ربما بيت القصيد، يقطع مع منطق الإدارة السابقة تماماً، ويعيد الاعتبار الى المقاربة الكلينتونية – وحتى الى تلك التي أرادها بوش الأب في النصف الثاني من عهده – ولو بحذر وبطء شديدين.
ذلك أن عودة الحديث عن ضرورة السلام في المنطقة على أساس الدولتين، وتعيين جورج ميتشل الواضح في مواقفه من الاستيطان مبعوثاً خاصاً، ومحاولة تعيين فريمان المعروف بانتقاداته لإسرائيل في وكالة المخابرات (رغم الفشل في تثبيته بعد الحملة العنيفة عليه)، والتواصل مع السلطة الوطنية الفلسطينية في تأكيد على الاعتراف بها (بعد سنوات من الميوعة في التعاطي معها والاستسلام للمنطق الاسرائيلي القائل "بغياب الشريك") جميعها إشارات حول نية في التعامل مع الصراع الفلسطيني الاسرائيلي بوصفه في قلب معضلات المنطقة، وبغير ربط لديناميات التفاوض حوله بالتوقيت والمشيئة الإسرائيليين.
هل تعني هذه الإشارات أن الانحياز الأميركي الى مواقف إسرائيل سيتبدّل جذرياً؟ على الأرجح لا. لكنه يعني أن التسليم لمنطق سياسيّيها وتعنّتهم الرافض لأي تفاهم مع الفلسطينيين لن يكون بديهياً. وهذا ما فهمه الإسرائيليون، وما بات يُقلق أكثر قادتهم.
ولعل مواقف نتانياهو - المباشرة وبالتلميح - تحاول امتصاص ذلك والرد عليه ببعض المصطلحات "الإيجابية" تجاه الفلسطينيين (لتغطية ما يرافقها من تسريع لوتيرة الاستيطان بين الضفة والقدس بغية جعل الواقع الميداني أكثر تعقيداً وصعوبة قبل أية مفاوضات مقبلة)، والتأكيد على أهمية السلام مع سوريا (باعتبار ولوج بابه سيخفّف احتمال الضغط على إسرائيل إن أُقفِل الباب الفلسطيني)، والسعي لتوريط أميركا في صدام مع إيران عبر تسريب أخبار عن تصميم إسرائيل، ولو وحيدة، على عدم السماح لها بالمزيد من التقدّم في برنامجها النووي، وبمعزل عن أي تفاوض.
في المقابل، تبرز أمام هكذا سيناريو الحاجة عربياً الى توسيع رقعة "عدم التفاهم" الأميركي الاسرائيلي المحتمل حول بعض القضايا المذكورة. وهذا يتطلّب جهوداً لجعل نتائج "عدم التفاهم" واقعاً لا يؤدّي الى الهروب الاميركي أو تجنّب الاستمرار في الجهد التفاوضي، بل على العكس، الى المزيد من التدخل والضغط والنشاط الديبلوماسي. وهنا يكمن ربما التحدّي الفعلي المطروح على الفلسطينيين والعرب.
فهل سيقوم الفلسطينيون ببناء سياسة واضحة في أهدافها وفي حدود مساوماتها ليفاوضوا (موحّدين بالحد الأدنى) على أساسها؟ وهل سيُطلق العرب دينامية ديبلوماسية وإعلامية تحاصر المنطق الاسرائيلي أميركياً وغربياً، وتعمّق التناقض بين تطرّفه وبين موجبات السلام "العادل" المبني على أساس القرارات الدولية؟ واستطراداً، هل سيحاول اللبنانيون الاستفادة من كل ذلك لتحصين وضعهم الداخلي بانتظار نتائج ما سيجري في المنطقة في السنوات القادمة؟
لا نريد التشاؤم، لكن الخشية الكبرى هي من الاستسلام للثنائيات السائدة حتى الآن في المنطقة، حيث منطق "التفاوض للتفاوض" (وما يقدّمه من تنازلات مجانية)، ونقيضه، أي منطق رفض فكرة التفاوض والإصرار على "إزالة الكيان الصهيوني من الوجود" (وما يوفّره للإسرائيليين من حجج – ولو مضحكة - تنعدم من بعدها حاجتهم لتبرير رفض اعترافهم الثابت بالحقوق الفلسطينية)، يتيحان غالباً للتناقضات الأميركية الاسرائيلية إن وُجدت أن تزول، ويعيدان الأمور كل فترة الى نقطة الصفر، وفي ظروف ووقائع على الأرض تكون قد اشتدّت سوءاً...
زياد ماجد