Wednesday, March 18, 2009

في ذهنية التهديد

يعبّر العلني كما المسرّب من تصريحات الرئيس السوري الأخيرة، حول الانتخابات النيابية اللبنانية وحول المحكمة الدولية و"مفاوضات السلام" في المنطقة، عن مفارقات ثلاث في السياسة وفي الثقافة السياسية يفيد التوقّف عندها.
المفارقة الأولى ناجمة عن موقف لا يكتفي بإبداء اهتمام في انتخابات دولة مجاورة وما قد ينجم عنها من تداعيات سياسية تمسّ العلاقة بين الدولتين كما يمكن لأي رئيس أو مسؤول أن يفعل، بل يذهب في تدخّل - بعيد عن الأصول الديبلوماسية - الى حدّ تحديد ما ينبغي أن تكون عليه مؤدّيات الانتخابات من استمرار لفلسفة "الثلث المعطل" التي أتى بها اتفاق الدوحة، ملوّحاً بالفوضى بديلاً وحيداً عن ذلك. ويعلن أن من سيتصرّف بعد هذه الانتخابات بعقلية "أنه رابح" سيجرّ البلد نحو الانفجار، محذّراً بالتالي الأطراف اللبنانية التي قد تحاول الحكم بناء على تفويض أكثرية المواطنين الناخبين، بأنها ستتسبّب لبلادها بكوارث... 
المفارقة الثانية تتأتّى من حديث الأسد عن المحكمة الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه. ففي هذا الحديث، يمارس الرئيس السوري التهديد من دون أي تمويه. ذلك أن "تسييس المحكمة"، على ما يقول، يعني خراب لبنان. أمّا ما هو التسييس، وكيف سيحلّ الخراب بلبنان، فللقارئ النبيه أن يفهم. ذلك أن لا استيضاحاً طُلب من الأسد، ولا تفاصيل تبرّع هو بتقديمها. لكن المُتابع للسجالات حول المحكمة يُدرك أن المقصود من قوله المذكور هو: "إن اتّهمت المحكمة النظام السوري بالوقوف وراء الجريمة، فسنجعل لبنان يدفع الثمن غالياً"...

 أما المفارقة الثالثة، فهي أقرب في دلالاتها الى تظهير العقلية التي يعتمدها النظام السوري في "الصراع" مع إسرائيل وفي "التعامل" مع دول المنطقة. فهو يعتبر أنه قادر على "جلب" حزب الله وحماس الى طاولة المفاوضات، تماماً كما هو قادر على الزج بهما في المواجهة أو "الممانعة"، بمعزل عن الدول والمجتمعات. هكذا، يقرّر مثلاً تجاهل أن ثمة دولة في لبنان وأن ثمة سلطة وطنية في فلسطين، فيدعو حزبين من كلا البلدين مشاركته مفاوضات إقليمية للوصول الى حلول واتفاقات، مكرّساً اعتماده لبنان وفلسطين ساحتين يتحالف فيهما مع تشكيلين أهليّين (مسلّحين) ويوظّف قتالهما وأداءهما (لا بل يديره) لتحسين شروط تفاوضه لاحقاً مع إسرائيل و"رفع سعره" بوصفه قادراً على التصرف بهما وبملفات دولتيهما، وبالنيابة عن سلطتين شرعيتين لا يعيرهما كثير أهمية...
 تشير هذه المفارقات الثلاث الى ذهنية سياسية سورية في العلاقات الخارجية قوامها التدخّل والتهديد وتخطّي الدول ومؤسساتها الشرعية ومصادرة خياراتها. وهي ذهنية إن عُطفت على القمع الداخلي، تعطي صورة عن الثقافة التي تدير سياسة الاستبداد: غرور ومطامع وشعارات مزايدة تجاه الخارج، وتسلّط وسجن ونفي تجاه الداخل.
فهل نبالغ إن كرّرنا من لبنان إن استقلالنا واستقرارنا على المدى البعيد مرتبطين بديمقراطية سوريا وحرية أبنائها؟ 
زياد ماجد