Monday, February 9, 2009

الى صديق متردّد

يعيدُنا الفرز السياسي والطائفي الحاد في لبنان اليوم الى مجموعة بديهيات، تضيع أحياناً في غمرة الأحداث وتسارعها، أو تغيب نتيجة بعض الخطابات النارية وحملات التخوين والتهويل والابتزاز المرافقة لها:
- الأولى، أننا منذ 14 شباط 2005 بين خيارين. خيار سلم أهلي و"شبه دولة" مستقلّة ومستقرّة (ولو على هشاشة)، وخيار انخراط في معركة إقليمية مفتوحة على كل أصناف المزايدات، تتحوّل مع الوقت صراعاً داخلياً بامتياز ودماراً شاملاً تصعب قيامتنا من بعده.
- الثانية، أننا مخيّرون نتيجة التحالفات الخارجية للكتل الطائفية اللبنانية الكبرى بين ارتباط سياسي واقتصادي يشمل أكثر دول الغرب والشرق (على مفاضلها ومساوئها) ويؤمّن لنا حياداً نسبيّاً يقينا تبعات أي صِدام في المنطقة، وبين ارتباط سياسي وحربي يضمّنا (تحت ذريعة الممانعة أو المقاومة) الى دولتين أهمّ ما يمكن أن تمدّانا به هو السلاح للقتال دفاعاً عن نظاميهما ومصالحهما، وإن تمكّنا على طريقنا، للدفاع عن خرابنا. 
- الثالثة، أننا صرنا منذ بدء مسلسل الاغتيالات في بلدنا نواجه احتمالين: احتمال مواجهة القاتل وتحمّل المزيد من الخسائر الى أن نجبره على كفّ شرّه عنا والاستكانة لمقتضيات "العدالة" الدولية، أو احتمال استسلام للقاتل وإذعان لشروطه لن يوقف بالضرورة جرائمه ضدنا.



- الرابعة، أننا مخيّرون بين لبنان عرفناه قبل العام 1975، فيه متّسع من الحرية والازدهار ولو مع زبائنية وفساد وتوتّرات، وبين لبنان عرفناه على جرعات دموية وأهوال وكوارث متنقّلة منذ العام 1975 وحتى اليوم.
- الخامسة، أننا أمام مسارين. واحدهما يتلمّس طائفية تتّسع على قبحها (وعجزها عن إيجاد تسوية نهائية للنزاعات) للتنوّع والتنافر والتآخي. وثانيهما، يعتنق طائفية تُقحم الغيب في شجون الدنيا وشؤونها محوّلة إياه سبيلاً مجتمعياً يُفترض بالجميع التسليم له أو الإقرار بتفوّقه وعلوّ كعبه.
- السادسة، أننا أمام مشهدين. مشهد يضمّ قوى متنوّعة في خلفياتها وحساباتها، وآخر يقوده حزب مدجّج بالايديولوجيا والسلاح هدفه الإمساك الأحادي بسياسة الدولة الخارجية وبقرارات الأمن والحرب والسلم فيها.
أمام هذه البديهيات، هل يمكن أن نتردّد في الاختيار؟
وأمام هذه البديهيات، هل يمكن أن نكتفي بالقول إن المعسكرين لا يملكان مشروعاً إصلاحياً وإنهما يتساويان طائفيةً، فننكفئ؟
بالطبع لا.
لكن علينا في الوقت عينه، ومع لحظة الاختيار البديهي والضروري، الاعتراف بظرفيّة ما اخترنا وبحدوده، وبحقّنا في مساءلته وعدم التسليم له في كل شيء.
وعلينا أيضاً التأكيد على أن واجبنا يكمن في التأسيس لما يتخطّى البداهة الظرفية نحو ما نتوق إليه من دولة حديثة وعادلة أسسها المواطنة والمساواة أمام القانون. دولة قادرة على تجنيبنا كل عقدين من الزمن خيارات كالتي نقف أمامها اليوم.
زياد ماجد