Friday, February 6, 2009

عنوانان بعد حرب غزة

قد يكون مفيداً التذكير بعد انتهاء "حرب غزة" الأخيرة بعنوانين قديمين مستجدّين، نراهما مهمّين في منطقتنا المنكوبة

- العنوان الأول، يخصّ الفلسطينيين وحدهم في صراعهم مع الاحتلال الاسرائيلي، وهو مرتبط بضرورة تمسّكهم باستقلالية قرارهم الوطني الذي دفعوا في سبيل نيله الثمن الغالي، مبحرين بين عواصف الأنظمة العربية ومحاولاتها الاستيلاء على قضيتهم واستخدامها في الصفقات والمفاوضات، وتصدّوا في سبيل حمايته، في شتاتهم اللبناني، لحروب النظام السوري وحلفائه عليهم. فهذا القرار المستقل هو ما يحميهم من انكشاف القضية الفلسطينية على صراعات المحاور في المنطقة ومحاولة كل محور توظيفها لصالحه، وهو ما يوفّر لهم شروط إدارة معركتهم مع الاحتلال من دون ساعات ضبط تحدّد أوان التصعيد وأوان الاستكانة وفق توقيت عواصم لا شأن لها بفلسطين وبتحرّرها. وذلك يتطلّب حكماً عكس ما تنادي به قيادة "حماس" السورية الإقامة والقرار من إنهاء لمنظمة التحرير. فالمطلوب هو تفعيل المنظمة وتجديدها وتطويرها لتبلور برنامجاً وطنياً فلسطينياً لانتزاع الحرية وبناء الدولة وعاصمتها القدس.

 - والعنوان الثاني، يخصّنا نحن كلبنانيين وكعرب. وهو مرتبط بأولوية معركة الديمقراطية في مجتمعاتنا على ما عداها من ناحية، وأهمية مصالحة المعركة هذه، مع تلك التحررية التي تجسّدها القضية الفلسطينية من ناحية ثانية. ولا يكون ذلك، لا من خلال القفز فوق المصالح الوطنية لكل بلد ولا من خلال التواطؤ مع الاستبداد والظلامية أو إغماض العين عن الأخطاء القاتلة التي ترتكبها القوى المتحركة فلسطينياً بحجة مقاتلة إسرائيل أو سواها. فدول ومجتمعات عربية مستقرّة وحرّة أكثر قدرة على دعم فلسطين وقضيتها من أي كيان مريض وممزّق تقمعه أجهزة مخابرات، ويعرّضه الاستبداد للحروب الأهلية، وتقفل عقول أبنائه منظومات فكرية هي في ذاتها عدوّة لشعبها ولمستقبله وقضاياه.
على أن ذلك يجب ألاّ يؤدّي الى وضع الديمقراطية والحرية والتقدّم الاجتماعي، في الموقع المناقض للالتزام بالقضية الفلسطينية وبدعم الفلسطينيين سياسياً واقتصادياً وقانونياً وثقافياً وإعلامياً في مواجهتهم الاحتلال. فالعلاقة بين الاستقلال والديمقراطية، وبين التحرير وبناء الدولة "الحديثة"، على تعقيداتها وصعوباتها في منطقتنا، ليست مسائل أخلاقية وقانونية فقط، بل هي أيضاً مسائل سياسية تمسّ المصالح المادية مباشرة. ذلك أن الاحتلال، في ما يخلقه إجرامه من قهر ومظلومية وإحباطات، يساهم في تسميم الوعي العام في كل المنطقة، ويؤمّن مقوّمات موضوعية لأنصار التيارات الاستبدادية والتكفيرية المتذرعة بفلسطين لمقاتلة مجتمعاتها والعالم....
هما عنوانان إذن، يختصران عناوين عدة. ولا مفرّ من التصدّي لهما، كما لغيرهما، إن أردنا وقف التهتّك والتراجع الذي يصيب القضية الفلسطينية ومعظم قضايا التقدّم والحرية في بلادنا.
 زياد ماجد